خليفة بن عبدالله بن حمد آل خليفة حمد آل خليفة يكتب : علاقات متجذرة وآفاق متجددة: البحرين والأردن نموذجٌ للأخوّة والتكامل العربي

مع احتفال المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة بعيد استقلالها المجيد، يطيب لي أن أرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى حضرة صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حفظه الله، وإلى الحكومة والشعب الأردني الشقيق، متمنياً للمملكة الأردنية الهاشمية دوام التقدم والازدهار في ظل قيادتها الحكيمة.
إن هذا اليوم الوطني لا يمثل فقط محطة مهمة في تاريخ الأردن الحديث، بل يجسد أيضاً إرادة شعب عريق اختار السيادة والعزة طريقاً، وقدم في سبيل ذلك التضحيات الجليلة. وهو أيضاً مناسبة لنا في مملكة البحرين نستحضر فيها ما يجمع بلدينا من روابط أخوية متينة، وعلاقات تاريخية متميزة أساسها الاحترام المتبادل والرؤى المشتركة تجاه قضايا أمتنا العربية.
لقد امتدت جذور العلاقات البحرينية الأردنية عميقاً في التاريخ، وتشكّلت عبرها روابط إنسانية وثقافية وسياسية أثبتت صلابتها أمام المتغيرات والتحديات. وهي علاقاتٌ تضرب بجذورها منذ عهد المغفور لهما صاحب العظمة الأمير الراحل عيسى بن سلمان آل خليفة، وجلالة الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراهما، واستمرت وتعمّقت في عهد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المعظم وأخيه صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة، حفظهما الله ورعاهما، عبر التوافق في الرؤ? السياسية، والتعاون في المحافل الدولية، والتكامل الاقتصادي والإنساني المتين.
وتُعد اللجنة العليا البحرينية الأردنية المشتركة ركيزةً أساسية لتعزيز التعاون الثنائي، حيث أسفرت جهودها عن توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي غطّت مختلف المجالات كالتعليم والصحة والأمن الغذائي، والعمل والثقافة والإعلام، والتعاون الأمني والعسكري، مما يعكس الإرادة السياسية الصادقة لتوسيع مسارات التعاون وتوطيد العلاقات نحو أفق تكاملي راسخ يلبي الطموحات والمصالح المشتركة.
وفي السياق ذاته، فإن التعاون بين البلدين الشقيقين في تنمية قطاعات التعليم والصحة في مملكة البحرين، خاصة منذ عقود مضت، يؤكد عمق العلاقات بين الشعبين، ويبرهن على الثقة والاحترام المتبادل والتعاون البناء.
كما يشهد التعاون الثقافي والتعليمي على وجه الخصوص تميزاً واضحاً، حيث شكّل ركيزة أساسية في دفع عجلة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين نحو آفاقٍ أكثر رحابة وشمولية، وتجدر الإشارة إلى أن التعاون البحريني الأردني في هذا الإطار قد تم تتويجه بعدد من الاتفاقيات والبروتوكولات المهمة التي أرست الأطر المؤسسية للتعاون الثنائي في مجالات الثقافة والتعليم والإعلام والشباب من خلال توقيع برامج تنفيذية اشتملت على عدد من مذكرات تفاهم واتفاقيات تُعنى بتطوير المناهج الدراسية، وتبادل الوفود التعليمية والأكاديمية للاستفادة من تب?دل الخبرات والكفاءات في مجالات التعليم والبحث العلمي والإبداع الثقافي، وتدريب وتأهيل المعلمين وإقامة المعارض الفنية وغيرها من المجالات تجسيداً للتفاعل الثقافي والمعرفي وتعزيزاً لأواصر التقارب والتكامل بين الشعبين ودعماً للأهداف التنموية الشاملة في كلا البلدين، والجدير بالذكر إن الجامعات الأردنية تستقطب سنويًا أعدادًا متزايدة من الطلبة البحرينيين، والذي بلغ عددهم حتى اليوم 481 طالباً وطالبة، موزعين على تخصصات علمية وأدبية ومهنية متعددة.
كما أن التنسيق السياسي بين المملكتين في القضايا الإقليمية والدولية، ولا سيما القضية الفلسطينية، يُجسّد وحدة الموقف والرؤية المشتركة تجاه دعم الأشقاء الفلسطينيين، وضرورة إرساء سلامٍ عادلٍ وشامل يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وقد كان للمملكتين، وما زال، دور فاعل في الدفع نحو تحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة.
ويُؤكد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المعظم حفظه الله ورعاه، أهمية الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وتقديره للجهود الدبلوماسية المتواصلة التي يبذلها الأردن بقيادة الملك عبدالله الثاني في دعم القضية الفلسطينية.
في حين، تشهد العلاقات التجارية بين مملكة البحرين والمملكة الأردنية الهاشمية نمواً مطرداً يعكس عمق الروابط الاقتصادية بين البلدين الشقيقين، حيث يحرص الجانبان على تنمية التبادل التجاري وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص. ففي عام 2024م، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 200 مليون دولار أميركي وهو ما يعكس التقدم المستمر في التعاون الاقتصادي والتجاري. فقد ساهمت الاتفاقيات الاقتصادية ومذكرات التفاهم الموقعة في تهيئة بيئة محفزة للاستثمار، شملت مجالات متعددة. ويُعد منتدى التواصل الاقتصادي الخليجي الأر?ني منصة فعالة لتعزيز التواصل بين رجال الأعمال والمستثمرين واستكشاف الفرص المشتركة، بما يخدم التنمية المستدامة في جميع الدول المشاركة.
ويحظى التعاون العسكري بين مملكة البحرين والمملكة الأردنية الهاشمية بأهمية استراتيجية بالغة، وهو يستند إلى أسس من الثقة المتبادلة والتنسيق المشترك في مجالات الدفاع والأمن. ويعكس هذا التعاون حرص البلدين على تعزيز الجاهزية الدفاعية، وتبادل الخبرات، وتطوير القدرات العسكرية بما يخدم أمن واستقرار المنطقة. وتُعد اتفاقية التعاون العسكري الموقعة في 8 فبراير 2000م بين رئيسي هيئة الأركان المشتركة بين المملكتين، والتي تم توقيعها في العاصمة البحرينية المنامة، من أبرز محطات هذا التعاون البنّاء، إذ أرست إطاراً مؤسسياً لت?ظيم مجالات التعاون والتدريب والتبادل العسكري. كما يشهد التعاون تطوراً مستمراً من خلال الزيارات المتبادلة والتمارين المشتركة والمشاركة الفاعلة في المؤتمرات والمحافل الدفاعية الإقليمية والدولية.
وفي ظل المتغيرات العالمية، تستمر العلاقات البحرينية الأردنية في التطور وفق مقاربة متوازنة تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، والرغبة الصادقة في بناء مستقبل أكثر ازدهارًا واستدامة. ونحن على يقين أن السنوات القادمة ستشهد مزيداً من المبادرات المشتركة، والتنسيق المتكامل، بما يعود بالنفع والخير على الشعبين الشقيقين ويُعزز من مكانتهما الإقليمية والدولية.
ختاماً، نجدد تهانينا للأردن الشقيق، قيادةً وحكومةً وشعباً، بهذه المناسبة الغالية، سائلين الله عز وجل أن يديم على هذا البلد الشقيق نعمة الأمن والاستقرار والرخاء، وأن يبارك في علاقاتنا الأخوية، ويُديمها نموذجاً يُحتذى به في التعاون العربي الأخوي الصادق.
وكل عام والمملكة الأردنية الهاشمية بخير وعزّ ورفعة.
السفير الشيخ خليفة بن عبدالله بن حمد آل خليفة، سفير مملكة البحرين
لدى المملكة الأردنية الهاشمية