رشاد ابو داود : من أجل راحة البال.. أغلقوا الخزانة!

رشاد ابو داود : من أجل راحة البال.. أغلقوا الخزانة!
أخبارنا :  

عندما تتقدم في العمر تتأخر عندك الرغبة في كثير من الأشياء والأمور التي كنت تراها مهمة، خاصة إذا أصبحت متقاعداً عن العمل الرسمي حيث كانت تتحكم بوقتك عقارب وجرس منبه مزعج، تقرصك فتفز من سريرك لتلحق بموعد الدوام. لا تعود ملتزماً بمواعيد الافطار والغداء والعشاء. ولا بنوعيته، قلاية بندورة أو شواء سيان. سمك مشوي أو مقلي أو.. علبة سردين مع ليمون ما بتفرق، المهم راحة البال.
البال في اللغة وكما ورد في القرآن الكريم عن المؤمنين «وأصلح بالهم» وفي الحديث الشريف «كل أمر ذي بال» هو الحال والشأن وراحته تتأتى من صلاح القلب والعقل.
لكن كيف يصلح القلب والعقل؟
عندما يكون القلب خالياً من الحقد والحسد والغيرة، وأن يحب صاحبه لأخيه ما يحب لنفسه وهذه نلخصها بالعامية الدارجة ونقول فلان «قلبه أبيض» . أما العقل وهو موطن الفكر فصلاحه يكون باتباع نواميس الحياة الواردة في الكتب السماوية غير المحرفة وأقوال الفلاسفة والحكماء متبعي جانب الخير لا متبعي الشر والأفكار الشيطانية.
عندما تكبر في العمر لا يهمك إن كان قميصك غير مكوي كما يجب أو حذاؤك غير لامع كما كنت سابقاً. فالقميص الجميل هو الذي تحب لا الذي يحبه الناس. والحذاء الجيد هو الحذاء المريح لقدميك.
في الستينيات والسبعينيات كان الرجال يرسلون قمصانهم البيضاء إلى «الكوَى» مقابل شلن للقميص فيخرج بياقة «قبة» منشاة لا تتجعد فتجلس ربطة العنق براحتها. في الثمانينيات تم الاستغناء عن القبة المنشاة وأصبحت ناعمة عادية، كما تم الاستغناء عن اللون الأبيض السادة والسائد في تلك الفترة كأحد مظاهر الأبهة ولزوم اللباس الرسمي. تعددت ألوان القميص وقماشته من مخطط بالطول أو بالعرض الى كاروهات كبيرة أو صغيرة.
في القرن الحادي والعشرين تم الى حد ما الاستغناء عن القميص بألوانه واشكاله وسادت موضة البلوزة بقبة وثلاثة أزرار تلبس حتى في الرسميات تحت الجاكيت وأظن أنها من صناعة مصرية تسمى مارسيليزيه، ثم فرنسية وايطالية وغيرها.
بعد ذلك طارت القبة وأصبحت ترى قمصانا وبلوزات بدونها تحت الجاكيت الرسمي. وترى القميص ملقى فوق الحزام لا تحته بينما كان هذا الوضع «عيب» في العقود السابقة.
لست خبيراً في الأزياء لكني عاصرت هذه «التطورات « منذ القبة المنشاة.
اليوم، وأنا وغيري من «المسنين» خاصة المتقاعدين رغم عدم اعترافنا بتقدم العمر فإننا ننظر الى خزانة ملابسنا فنجد فيها بدلات وقمصان وجاكيتات بحالة جيدة من مختلف الماركات. نكتشف أننا كنا نرتديها من أجل الوضع الوظيفي أكثر من محبتنا لها. نغلق الخزانة ونحتار، هل نتحسر على تلك السنين أم نلعنها !!
إنه نفس الشعور عندما نتذكر مقولات «الوحدة العربية» و»من المحيط الى الخليج» ونرى ما يحدث للأمة.
من أجل «راحة البال» أغلقوا الخزانة على الملابس والأفكار !! ـ الدستور

مواضيع قد تهمك