نيفين عبدالهادي تكتب: «مات من الجوع» حقيقة يعيشها الغزيون

«مات من الجوع».. «ميّت من الجوع»، لم نتخيل يوما أن هذه العبارة حقيقية، أو أن أحدا يمكن أن يموت من الجوع، كونه لم يذق الطعام لأيام ولأسابيع، وفي حال توفّر زاد يومه، يسارع لإطعام أسرته، وتحديدا الأطفال فيها، لكن اليوم بتنا نرى ذلك حقيقة في قطاع غزة، نعم هناك المئات من أهالي غزة من يموتون جوعا، ليكون أداة حرب من أدوات الاحتلال الإسرائيلي على أهلنا في غزة فمن لم يمت من القصف الإسرائيلي، بات يموت جوعا، أو لنقص الدواء العلاج.
ربما يصعب على العقل البشري أن يستوعب حقيقة موت أي شخص من الجوع، تحديدا في بلد عاش حصارا لسنوات لكن خيرات ترابه منحت قاطنيه اكتفاء ذاتيا في الطعام، ولم يشعر الغزيون يوما أن موائدهم خالية، بل على العكس طالما كانت مليئة بكل أنواع الطعام والشراب، من خيرات وطنهم، ليعيشوا اليوم مجاعة وجوعا لم تشهده البشرية، فقد خلت موائدهم من أبسط أنواع الطعام، بل من فتات الطعام، ليذهب ضحية الجوع مئات إن لم يكن آلاف الشهداء.
بالأمس، أكد نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، أن الجوع واقع لا إنساني في قطاع غزة، ليضع إصبع الحقيقة على مسألة غاية في الأهمية والخطورة، ولا تجد من يؤشّر عليها ولو بالبسيط من القول، نعم غزة تعيش واقعا خطيرا نتيجة الكوارث التي تعيشها منذ قرابة العامين، ونتيجة تجويع أكثر من مليوني غزّي، والغريب أن يحدث هذا في القرن 21 وعلى مرأى من عالم يتغنى ليل نهار بحقوق الإنسان التي ذابت جميعها ولم يبق منها أي شيء على أرض غزة، وبطبيعة الحال يعدّ الطعام أبرزها.
الصفدي قال أمس عبر منصة «إكس» (إن العالم يتحمّل مسؤولية أخلاقية وقانونية لإنهاء هذه الكارثة المروّعة، مبينًا أن تجويع 2.3 مليون فلسطيني جريمة يجب على العالم التحرّك لوقفها فورا)، حقيقة موجعة أشّر لها الصفدي بوضوح وبلغة بيضاء واضحة، فلا بد من «إنقاذ سكان قطاع غزة من الموت جوعًا، وجفافًا، ونقصًا في الرعاية الطبية، يجب أن يكون أولوية يتجنّد لها المجتمع الدولي بأسره، مؤكدًا وجوب رفع الحصار الإسرائيلي عن غزة»، غزة تعيش كارثة، سيبقى الأردن يصرخ بهذه الحقائق يوميا، وكل ساعة وكل دقيقة، وكل ثانية، مجاهرا بالحقيقة، التي ما يزال العالم يغلق أذنيه وعينيه عنها، غزة تعيش كارثة، تزداد عمقا وخطورة ولا إنسانية يوما بعد يوم، دون الأخذ بكل ذلك على محمل الانتباه على الأقل.
في غزة لا وقت للوقت، يجب أن يتخذ العالم خطوة نحو الأمام لفتح المجال لإيصال المساعدات، على أن تكون هذه الخطوة اليوم قبل يوم غد، أو حتى أمس قبل اليوم، ففي رؤية من يموتون جوعا وجع يدخل قلوبنا جميعا، ما يجعل من إيصال المساعدات فورا، مسألة تتطلب حتمية التطبيق الفوري، بالطبع يوازي ذلك بالأهمية وحتمية التطبيق ضرورة إبرام صفقة تبادل الأسرى، وإنهاء العدوان فورا، ففيما يحدث في غزة من كوارث يحتاج صرخات لا تتوقف، وكتابة يومية، ونداءات عاجلة لا تتوقف، بضرورة وقف الكوارث التي لم تعشها البشرية ولم يتحملها شعب على هذه المعمورة.
أن تُحارب غزة بالجوع حقيقة هو أقصى درجات اللاإنسانية والإجرام، ويفرض وجود قوّة دولية تقف مع الأردن وكافة الدول الساعية لإيصال المساعدات، تقف معها، للوصول لأدوات ضغط على الاحتلال الإسرائيلي لإيصال المساعدات للأهل في غزة، أمّا أن نبقى في مكان السلبية الذي يعيشه العالم تجاه غزة، فإننا نقف أمام استثناء تاريخي وإنساني بترك الجوع والعطش وقلة العلاج بل ندرته يفتك بأهلنا في غزة مع أقسى أنواع الأسلحة التي تستخدمها إسرائيل في حربها الكارثية على قطاع غزة.