الأخبار

بشار جرار : في بعض الازورار زور

بشار جرار : في بعض الازورار زور
أخبارنا :  

من رموز العدالة والقضاء في العالم ثلاثة: تعصيب العينين، تساوي كفتي الميزان، وتعليقه بيد العدالة وسيف الحق، المستقيم الذي لا اعوجاج فيه.
ولأنه وحده سبحانه الديّان، كرمت رسالات السماء كلها القضاة، إن هم حكموا بما هو أساس الحكم ألا وهو العدل.
الصحافة على النقيض تماما، لا تعصيب لعيني «صاحبة الجلالة» التي خلعت على نفسها أيضا اسم «السلطة الرابعة» أو تراهم أصحاب النفوذ -الذين قد لا نراهم بوضوح في مجتمعات ودول كثيرة- تراهم قد ألبسوها ما يناقض جوهرها، أمانتها ورسالتها، وهي كما الشهادة في المحكمة، أن تقول الحق ولا شيء سوى الحق والحقيقة كاملة غير مجتزأة..
الصحفي كما القاضي كما رجل الأمن، جميعهم لا ينبغي لعيونهم إلا أن تكون «عشرين على عشرين».. وفي عالم اليوم بكل قضاياه الإشكالية الالتباسية، لا غنى عن قدرات توفرها التقنيات المتطورة بما فيها الذكاء الاصطناعي، للنظر فيما وراء ما قد يبدو حقيقيا أو محقا. الشك طريق اليقين. وافتراض النزاهة يقتضي التحقق والتدقيق والتوثيق لجميع المصادر والشهود والشواهد. لا أحد ولا شيء أكبر من الحقيقة، السبيل الوحيد إلى الحق الذي يُنجي ويُحرّر، فيُعمّر ويسود.
في أمريكا، ثمة صدمات متتالية في السنوات الأخيرة حول العلاقة ما بين الصحافة والقضاء والأمن والسياسة والاقتصاد وحتى العلم بما فيه الخاص بالصحة العامة وسلامة الغذاء والدواء. حجم الازورار في رؤية الأمور بلغ حدّ ما يعدل شهادة الزور في قضايا ما زالت تشغل الرأي العام، رغم ما قد يبدو محل إجماع إنساني وليس وطني فقط.
من الأمثلة اللافتة، تلك الجلبة التي أثيرت حول ترحيل مهاجر غير شرعي، على عُقَد أصابع يديه رموز تشي بانتمائه أو هوسه بأحد أخطر العصابات الإجرامية وأكثرها توحشا في العالم. اضطر «سباستيان غوركا» مسؤول مكافحة الإرهاب في إدارتي دونالد ترمب الأولى والثانية إلى الرد على سؤال لمضيفته الأسبوع الماضي في موقع «بوليتيكو» -حول قضايا الأمن- و هو موقع محسوب على الحزب الديموقراطي، اضطر إلى الرد بسيل جارف من الأسئلة المتلاحقة للصحفية «داشا بيرنز» عند تشكيكها بالوشم أو دلالاته إلى سؤالها إن كان لديها وشم لتنظيم القاعدة الإرهابي؟ قطعا لا!
أراد غوركا أن يعبر عن استهجانه من «استماتة» بعض الصحفيين في الدفاع عن مقترفي الجريمة والإرهاب باسم الدفاع عما يرونه عيبا إجرائيا في تنفيذ السلطات لواجبها في حفظ الأمن والنظام! وبما عرف عنه من حماسة في الإفحام، قام بمواجهتها بالأسماء الكاملة لضحايا تلك العصابة «إم إس ثيرتين» في ولاية ميريلاند وحدها. ضحايا جرائم قتل واغتصاب مروعة لا يليق ذكر تفاصيلها لاعتبارات عدة، متسائلا أين هي التغطية المعمقة والموسعة التي تقوم بها الصحافة الحرة والنزيهة لقضايا الجمهور ما لم تكن «مسيسة» وتخدم سرديات وأجندات اليسار؟
القضاء لم يكن بأحسن حال من الصحافة المرتبطة بأجندات لا علاقة لها بالمهنة وأحيانا «معادية للأمة والدولة» كما اتهمها ترمب في ولايته الأولى. بلغت الأوامر القضائية الإجرائية التعطيلية في أقل من أربعة أشهر فيما يخص ضبط الحدود والهجرة والأمن، أكثر مما تم استخدامه ضد أربعة رؤساء أمريكيين!
الزعم بالتقيد الشكلي بإجراءات التقاضي والمداولات في المحاكم، والسجالات في الصحافة، قد يتطلب مئات لا عشرات السنين للبت في قضايا كبرى، لا تقتصر على الواحد وعشرين مليونا الذين دخلوا أمريكا بطرق غير شرعية فقط خلال الإدارة السابقة.
في الأوقات الحرجة، من حق القيادة -أي قيادة في العالم- أن ترى ما ستحاسب عليه أمام الله وضميرها والأمة بوضوح، وتتخذ القرار المناسب الذي يقي «البلاد والعباد» من كارثة محققة. مع بالغ المحبة والاحترام، ازورار الرؤية أو انعدامها لدى البعض، من أي سلطة كانت تنفيذية أم تشريعية أم قضائية أم تلك الرابعة «الصحافة»، يبلغ حد شهادة زور، قد «تقتل القتيل وتمشي في جنازته» مدعية البطولة!
كيف ينام أولئك القضاة والصحفيون وهم يعلمون أن معدل الاغتصاب للنساء والأطفال، بلغ حالة -أي ضحية- كل ست دقائق وثلاثين ثانية! كيف يواجهون ضميرهم المهني والأخلاقي وتقترف كل ساعة جريمتان بصرف النظر إن كان القاتل شرعيا أو غير شرعي.. تلك كانت شهادة مدير مكتب التحقيقات الفدرالي «إف بي آي» «كاش باتِلْ» في مقابلة خاصة مع فوكس نيوز الأحد.
الأمن أولا ودائما وإلا فلا شيء يبقى لتخبر عنه الصحافة أو يحكم فيه القضاء. لم تعد «شريعة الغاب» هي البديل المرعب للأمن والنظام، فحتى الكواسر والجوارح والزواحف والقوارض لا تفعل ما تفعله سموم المخدرات، والبعد عن الله والأسرة، من أفاعيل لا ترضي إلا الشيطان الرجيم والأبالسة من أعوانه، أي مهنة امتهنوا وشعار رفعوا!


مواضيع قد تهمك