د. احمد بطاح : نتنياهو على الحافة!

د. احمد بطاح : نتنياهو على الحافة!
أخبارنا :  

لعلّه ليس من المبالغة القول إن رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، بنيامين نتنياهو، هو من الشخصيات المهمة في التاريخ الإسرائيلي، فهو صاحب أطول مدة حكم. (أكثر من خمس عشرة سنة) بين أقرانه من رؤساء الوزارات في إسرائيل، وهو الذي شهدت فترة حكمه الحالية، أحداث «السابع من أكتوبر» التي هزّت إسرائيل هزاً، وضربت بعنف نظرية «الردع» الإسرائيلية، وذلك فضلاً عن أنه رئيس الوزراء الإسرائيلي الوحيد الذي صُنّف «كمجرم حرب» من قبل محكمة الجنايات الدولية ذات الثقل العالمي.

ولكن... وأخذاً بالاعتبار كل ما سبق–ما هو وضع نتنياهو الآن؟ هل يكتسب مزيداً من القوة، وهو «يغيّر وجه الشرق الأوسط» كما يقول، أم أنه يَضْعُف في الواقع، ويواجه تحديات كبيرة داخلية، وإقليمية، وخارجية تجعله يقف على الحافة (حافة السقوط) بالفعل؟ إن وقوفه على الحافة هو المُرجّح، وذلك بالنظر إلى الاعتبارات الآتية:

أولاً: المعارضة الداخلية له والمتمثلة في الرأي العام الإسرائيلي الذي يريد إنهاء الحرب، كما تشير الاستطلاعات (أكثر من 70% من الإسرائيليين)، والمتمثلة كذلك في عائلات الأسرى (الرهائن) الذين يستعجلون عقد صفقة مع المقاومة الفلسطينية، وغني عن القول أنّ هنالك معارضة له من الجسم الأمني الإسرائيلي: العسكري والمخابراتي، الذي لا يرى مجالاً لتحقيق ما يسميه نتنياهو «النصر المطلق» بعد ما جرى في القطاع من إبادة جماعية لا تتقيد بأيّ قانون دولي أو إنساني، وكذلك المعارضة الحزبية الشرسة له من قبل أحزاب المعارضة (لابيد، غانتس? ليبرمان...) إن إصرار نتنياهو على «حرب ليس عليها إجماع داخلي» أمر جديد في إسرائيل، وهو موضوع يؤرّق نتنياهو بالتأكيد.

ثانياً: الوضع الإقليمي المعادي له ففضلاً عن الدول العربية التي رفضت تهجير الفلسطينيين بقوة، وإصرار، وفضلاً عن الرأي العام العربي الذي يغلي، ولا أحد يعرف كيف ومتى يمكن أن ينفجر في وجه الممارسات الإجرامية الإسرائيلية غير المسبوقة، فإن القوى الأخرى الفاعلة في الإقليم مثل إيران وتركيا، معادية بدرجات وبأساليب مختلفة لصلف نتنياهو وعدوانيته التي يوزعها أحيانا في فلسطين، وثانية في لبنان، وثالثة في سوريا. إنّ هاتين القوتين الإقليميتين، الوازنتين (إيران، تركيا) تقفان بالضد من سياسة نتنياهو، وهما بالتأكيد لن تعدما ال?سيلة لردعه ووضعه في حدوده الطبيعية.

ثالثاً: الوضع الدولي والمتمثل أساساً في موقف أكبر، قوة كونية في العالم اليوم، وهي الولايات المتحدة. لقد اكتشفت الولايات المتحدة الآن، بقيادة «ترامب» أن نتنياهو يريد أن يتلاعب بها ويقحمها في حروب لا ترى أنها من مصلحتها، حيث يحرض على ضرب إيران، ويمارس توسّعاً عدوانيا واضحا على سوريا، فضلاً عن حربه الإبادية على الشعب الفلسطيني في غزة، وبصورة أقل في الضفة الغربية، ولعلّ أهم دلائل هذا الاكتشاف الأميركي «الترامبي» المتأخر عدم زيارة إسرائيل في إطار زيارة ترامب للشرق الأوسط، وعقد الولايات المتحدة لصفقة منفردة مع أ?صار الله الحوثيين في اليمن، وإجراء محادثات مباشرة مع حماس أدت حتى الآن إلى إطلاق الرهينة الأميركي «عيدان الكسندر»، بل «والايعاز» لنتنياهو بإرسال وفد للتفاوض في الدوحة والقاهرة.

وغني عن القول أنّ معظم الدول النافذة في الغرب والحليفة، تقليدياً لإسرائيل (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا...) تؤيد ترامب في توجهه الجديد، وتريد منه في الواقع أن يجبر نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة على عقد صفقة تنهي موضوع الأسرى (الرهائن) الإسرائيليين، وتوقف حرب «التجويع» الذي يشنها نتنياهو، وزمرته بغير رحمة على الشعب الفلسطيني في القطاع المُدمّر.

وإذا أتينا على ذكر العالم غير الرسمي (حركات الشعوب، المنظمات غير الربحية، جماعات حقوق الإنسان) فكلها–وفضلاً عن الأمم المتحدة، وهيئاتها (الأونروا، الصليب الأحمر، مجلس حقوق الإنسان)–تقف بالإجماع ضد سياسة نتنياهو وممارسات حكومته الهمجية.

إنّ نتنياهو يقف الآن على الحافة، وهو موقف لا يُحسد عليه فإذا أوقف الحرب، سقطت حكومته اليمينية التي ما زالت تحلم بتهجير الفلسطينيين، واحتلال قطاع غزة، وضم الضفة الغربية، والتوسع على حساب سوريا ولبنان، وإذا استمر في الحرب، فإنه لن يحقق ما وعد به من «نصر مطلق» ضد المقاومة الفلسطينية وضد الشعب الفلسطيني في الواقع، حيث يريد تصفية قضيته، وإخضاع المحيط العربي.

إنّ الجدير بالذكر في هذا السياق أنّ نتنياهو يستند إلى «شرعية» النظام السياسي الإسرائيلي، وهي أنه يملك أغلبية (64) مقعداً في الكنيست (حزب الليكود بزعامته، حزب شاس بزعامة درعي، حزب العظمة اليهودية بزعامة «بن غفير»، حزب الصهيونية الدينية بزعامة سموتريتش)، ومن هنا، فإنه يُصرّ على أنه باقٍ في منصبه حتى عام 2026 موعد الانتخابات الإسرائيلية القادمة، ولكن من قال إنّ هذا غير قابل للتغيير أو للتأثير عليه، وذلك من خلال الضغط الشعبي الداخلي الذي قد يجبر نتنياهو على تنظيم انتخابات مبكرة، أو ضغط خارجي (أميركي بالذات) يخ?خل الجبهة السياسية الداخلية الإسرائيلية ويوجهها باتجاه انتخابات مبكرة، تفرز قيادة جديدة تحترم المنظور الأميركي، وتأخذ بالرؤية الأمريكية للعالم التي تقدم المصالح الأميركية، وتأخذ بالاعتبار المصالح الإسرائيلية، حيث هناك تحالف استراتيجي لا شك فيه بين الولايات المتحدة وإسرائيل. إنّ المرحلة القادمة آخذة بالتبلور، ولكن بدون نتنياهو على الأرجح!

مواضيع قد تهمك