فهيم الحامد يكتب : زيارة ترامب للسعودية .. النسخة (٢) .. ما الذي تغير .. وما الذي لم يتغير!

فهيم الحامد يكتب : زيارة ترامب للسعودية .. النسخة (٢) .. ما الذي تغير .. وما الذي لم يتغير!
أخبارنا :  

لقد حطّت الطائرة الرئاسية الأميركية (إيرفورس ون) في العاصمة السعودية الرياض، حاملةً الرئيس ترامب في زيارته الخارجية الأولى منذ إعلان فوزه بولاية رئاسية جديدة، وهي زيارة تُعد مؤشراً على المكانة الجيوسياسية المتقدمة التي باتت تتمتع بها السعودية، ليس فقط بوصفها لاعباً محورياً في استقرار المنطقة، بل أيضاً نظراً لثقلها الاقتصادي وتوجهاتها الإصلاحية.

زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية في نسختها الثانية؛ لن تكون كنسختها الأولى، فالسعودية عام 2025 ليست كما كانت عام 2017، فهناك متغيرات داخلية نوعية، ومقاربات إقليمية متعددة، ومعاضدات دولية واسعة. ويمكن الجزم بأن الجيوستراتيجيات السعودية في الفترة ما بين عام 2017 و2025 قد تغيرت 180 درجة. فهناك تحولات إيجابية في الداخل بسبب ما حققته رؤية 2030 من إعادة تموضع كاملة في جميع المسارات المجتمعية؛ فضلاً عن حدوث متغيرات سياسية إقليمية.

وحدث تحول كبير في العلاقات السعودية الإيرانية مؤخراً بعد توقيع اتفاق بين الطرفين بوساطة صينية في مارس 2023.

فاليوم تتمتع الرياض بشراكة استراتيجية مع طهران. ولن يستطيع الغرب استخدام إيران لتكون "فزاعة” لتخويف دول الخليج. وانتهت حقبة الحرب في اليمن؛ ولم يعد هناك محور طائفي مؤثر في المنطقة؛ وانهار بشار الأسد في سوريا؛ ولا يوجد نصر الله في لبنان الذي خرج من دائرة حزب الله.

ووفقاً لهذه المتغيرات الكبرى، أصبح جدول أعمال زيارة ترامب للسعودية (النسخة ٢) مختلفاً عن جدول أعمال الزيارة الأولى، حيث يتضمن: "بناء برنامج نووي سلمي للسعودية، وصفقات عسكرية مليارية، واتفاقية دفاعية، وإنهاء فعلي لحرب غزة”، والنقاش الجدي لإعلان الدولة الفلسطينية، إلى جانب "تريليون دولار من الاتفاقات التجارية والاستثمارية”.

وهناك توجه حقيقي للعمل باتجاه التنمية والازدهار بدلاً من إشعال الفتن والحروب وتغذية الصراعات، فضلاً عن إصرار الرياض على الرفض القاطع للتطبيع مع إسرائيل بدون وجود دولة فلسطينية مستقلة. كما أن عدم مطالبة الولايات المتحدة الأمريكية للسعودية بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل كشرط لإحراز تقدم في محادثات التعاون النووي المدني مع الرياض يُعد متغيراً هاماً، كونه لا يوجد ربط بين الاتفاق النووي السعودي الأميركي المرتقب والتطبيع. ففي عهد الرئيس السابق جو بايدن، كانت المحادثات النووية جزءاً من اتفاق أميركي سعودي أوسع نطاقاً جرى ربطه بالتطبيع.

المتغير في زيارة ترامب للسعودية أنها تأتي بعد أن فقدت المنطقة ثقتها بالولايات المتحدة خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن، مما انعكس على توثيق تلك الدول لعلاقاتها مع إيران والصين وروسيا، وهي العلاقات التي لم تكن موجودة في ولاية الرئيس ترامب الأولى. ولهذا، فإن أبرز الملفات التي ستكون حاضرة في هذه الزيارة تتمثل في الصفقات الأمنية والتسليحية، وتوطين الصناعة العسكرية داخل السعودية، إلى جانب تعميق الشراكة الاقتصادية بين الرياض وواشنطن، خصوصاً في مجالات الاستثمار والتكنولوجيا.

المتغير في هذه الزيارة أنها تأتي في توقيت يختلف جذرياً عن فترة ترامب الرئاسية الأولى، فالظروف والمعطيات تحولت جذرياً، والتحديات التي تواجهها السعودية ومنطقة الشرق الأوسط لم تعد كما كانت سابقاً، إذ تقود السعودية اليوم سياسة خارجية أكثر استقلالية، وتؤدي أدواراً إقليمية متقدمة في ملفات عدة، من الوساطة في النزاعات إلى إعادة ضبط العلاقات مع قوى كبرى، وصفّرت قضايا المنطقة بشكل كبير لتتفرغ لقضيتها الأولى: فلسطين، كونها تعد جوهر الصراع العربي الإسرائيلي، ولا يمكن أن يكون هناك سلام عادل وشامل في المنطقة إلا بوجود دولة فلسطينية مستقلة.

السعودية اليوم دولة فاعلة، مؤثرة، وقرارها بيدها، وصانعة قرار في المنطقة والعالم. أصبحت الحليف والشريك النزيه المفضل للعالم، كونها تملك علاقات متوازنة مع مختلف الأطراف، وتحركت بديناميكية في قضايا مثل الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، ووقف إطلاق النار بين الهند وباكستان.

عودة ترامب للسعودية تعني عودة أميركا إلى الخليج والشرق الأوسط بعد انكماش شهدته خلال فترة الرئيس بايدن، وهي عودة تأتي من بوابة الرياض، عبر تعاونات اقتصادية وعسكرية وثيقة.

ومن الملاحظ وجود وفد استثماري أميركي رفيع المستوى من كبار المستثمرين في وول ستريت ووادي السيليكون إلى السعودية، حيث سيُعقد منتدى استثماري سعودي-أميركي في الرياض، بمشاركة رؤساء تنفيذيين من شركات بلاك روك، وبالانتير، وسيتي غروب، وآي بي إم، وكوالكوم، وألفابت، وفرانكلين تمبلتون.

وقد طلب ترامب خلال مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي، في يناير 2025، تنفيذ استثمارات سعودية بقيمة تريليون دولار (ألف مليار دولار) في بلاده، وتعتزم المملكة استثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع المقبلة.

وسقف الاستثمارات السعودية مع الولايات المتحدة مفتوح، خاصة وأن السعودية تسعى للتحول إلى مركز إقليمي للصناعة والتكنولوجيا في الشرق الأوسط، وهو ما يتماشى مع "رؤية 2030”، ومع تشديد قوانين الاستثمارات في البلاد لتتضمن توطين الصناعة والتكنولوجيا بالمملكة.

ويأتي توقيع البلدين على اتفاقيات ومذكرات تفاهم للتعاون في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية والأمنية على المستوى الحكومي والخاص، ليؤكد عمق العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة، وحرص قيادتي البلدين على تطوير وتوثيق شراكتهما الاستراتيجية.

ويأتي "المجيء الثاني” لترامب إلى السعودية على ضوء هذه الأوضاع المعقدة، ليبعث برسالة قوية وواضحة تُعبّر عن إدراك الولايات المتحدة أنه لا يمكن مواجهة التحديات الحالية من دون العمل بشكل وثيق مع حلفاء موثوقين مثل السعودية، التي برزت كعاصمة عالمية، بالنظر إلى مسائل مثل الاستقرار والوساطة والتمتع بنفوذ سياسي واستثماري ونفطي حقيقي.

كما تأتي الزيارة في ظل رياح اقتصادية معاكسة، حيث أدت الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس ترامب على الواردات إلى إرباك التجارة العالمية، وهزّت الثقة في الاقتصاد الأميركي نفسه، إذ انخفض الناتج الاقتصادي الأميركي في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، وهو أول انخفاض له منذ ثلاث سنوات.

وتعكس الزيارة مدى تقدير القيادة الأميركية الجديدة لسمو ولي العهد – حفظه الله – وحرصها على تعزيز التواصل مع القيادة الرشيدة – حفظها الله – والتشاور حول الملفات والقضايا ذات الاهتمام المشترك إقليمياً ودولياً، ومواجهة التحديات المشتركة على المستوى الإقليمي والدولي في ضوء مستجدات الأحداث التي تشهدها المنطقة والعالم.

وتمثل الزيارة إعادة ضبط للبوصلة الأميركية في المنطقة، بعدما شهدت العلاقات تجاذبات خلال إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن. ويسعى ترامب لبذل جهد أكبر لتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع السعودية، خاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، وضبط أسعار الطاقة، ومواجهة التحديات المرتبطة بالصين وروسيا.

العالم بأسره يتابع زيارة ترامب للسعودية.. بنسختها (٢).. نعم، لقد تغيّر الكثير والكثير.. والسعودية ثابتة، متعاظمة، راسخة، لم تتغير.

• محلل استراتيجي

مواضيع قد تهمك