زكريا العوضي : طارق خوري... الهيبة في حضرة الغياب

في الحكاية الأردنية، اسمٌ يكتب بلون العناد الأخضر: طارق خوري، ذاك الفتى الذي كبر بين الأزقة الضيقة للوحدات، حتى صار صوته يعلو مدرجات الملاعب، وتصل أصداؤه إلى قاعات السياسة وصالونات القرار.
منذ نعومة أظفاره، كان خوري مختلفاً. لا يكتفي بالمشاهدة، ولا يرضى أن يكون متفرجاً في مسرح الحياة. حمل عشق الوحدات كمن يحمل راية وطن، ودخل ناديه لا كهاوِ، بل كمؤمن برسالة. هناك، بين العشب الأخضر والمدرجات الصاخبة، رسم لنفسه طريقاً؛ طريقاً صعباً لا يسلكه إلا العاشقون الحقيقيون.
رئيساً للوحدات، لم يكن طارق خوري إدارياً عادياً. كان مشعلاً يُوقد الروح في اللاعبين والجماهير معاً. يعرف متى يشعل الغضب، ومتى يهمس بكلمة تهدئ العاصفة. في أيامه، كان الوحدات أكثر من نادٍ... كان فكرةً، وموقفاً، وانتماءً.
لكن طارق خوري لم يتوقف عند حدود المستطيل الأخضر. أخذ خطواته الواثقة إلى الحياة العامة، فحمل همّ الناس في قلبه، وانتقل إلى قبة البرلمان نائباً عن أبناء وطنه. هناك، بقي كما عرفه الناس: صريحاً حتى الألم، مقاتلاً حتى الرمق الأخير. لا يعرف المهادنة في الحق، ولا يلبس قفازات ناعمة حين يدافع عن فقراء المخيم وأبناء الوطن.
سياسياً، لم يُجامل طارق خوري على حساب قناعاته. ظل يرفع صوته حين يسكت الآخرون، ويقف حيث يخشى كثيرون الوقوف. كان يُحارب بفروسية، ويخسر بشرف، ويربح دون أن يطأطئ رأسه.
وفي المجتمع، حمل إرث المخيم فوق كتفيه، يحمله بفخر لا يخبو. كان طارق خوري صوت المهمشين، ابن القضية الذي لم يبدل ولم يساوم.
كان يمكن لطارق خوري أن يكون سياسياً ناعماً أو إدارياً عادياً، لكنه اختار أن يكون شعلة... يحترق ليضيء طريق الناس. لم يكن يوماً ابن التوازنات الباردة، بل ابن النار التي لا تخمد. صوت لا يعرف الانحناء، وخطوة لا تهاب العواصف. من الوحدات إلى البرلمان، من المخيم إلى الوطن الكبير... بقي طارق خوري كما وُلد: مقاتلاً لا يرتاح، وعاشقاً لا يخذل، ورجلاً لا يموت صوته مهما اشتدت الريح.
هكذا ظل طارق خوري، وسيظل:
رجل المرحلة الصعبة، وصوت الحلم العنيد، وابن الوحدات الذي كتب اسمه في قلوب العشاق قبل أن يكتبه في دفاتر التاريخ.