اسماء سليمان الطويسي : قرارات تحقّق مصلحة المواطن

كتبت في مقالين سابقين عن مكانة الوطن في النفس، وعن كيف يشكّل الانتماء إليه أحد أهم أركان الهوية الإنسانية. في المقال الأول، تحدّثت عن جذور حبّ الوطن في فطرة الإنسان، وكيف أنّ الحنين إليه لا يفتر مهما بعدت المسافات. وفي المقال الثاني، ركّزت على دور المواطن في بناء وطنه، موضّحًة أنّ حبّ الوطن لا يقتصر على المشاعر، بل يجب أن يُترجم إلى عمل، ومسؤولية، والتزام.
واليوم أعود لأؤكد حقيقة راسخة لا تقبل الجدل: لا مجال الحياد في حب الوطن.
فحب الوطن ليس خيارًا يُدرج على قائمة الاهتمامات، بل هو التزام أخلاقي وإنساني، شعور لا يمكن تجاهله أو ادّعاء الحياد فيه. فالحياد في هذا السياق ليس سوى شكل من أشكال الغياب، إن لم يكن نوعًا من الخذلان. الوطن ليس مجرد رقعة جغرافية، بل هو التاريخ واللغة والثقافة والوجوه التي نعرفها والأصوات التي ألفناها.
حين تمر الأوطان بمحن، لا يُنتظر من أبنائها الوقوف على الحياد، بل يُنتظر منهم أن يكونوا سندًا، أن يكونوا جبهة داخلية متماسكة، وأن يصونوا وحدته وهويته وكرامته. فالصمت في لحظات الشدة ليس إلا تواطؤًا، والحياد عند الحاجة إلى الموقف، هو خيانة خفية.
إن حبّ الوطن لا يُقاس بالشعارات، بل بالوقوف معه وقت الحاجة، بالعمل لأجله، بالإخلاص له، بالدفاع عن مبادئه، والمساهمة في نهضته. كل فرد مسؤول، وكل قلب نابض على أرضه شريك في حمل همومه وصنع مستقبله.
ومن هنا، فإن من واجبنا – أفرادًا ومؤسسات – أن نغرس في الأجيال معنى الانتماء الحقيقي، وأن نعلّمهم أنّ لا حياد في حب الوطن، لأنّ الوطن لا يقبل أنصاف المواقف ولا القلوب المنقسمة.