خلدون ذيب النعيي : الاختلاف واللجوء للموروث التاريخي

بعيداً عن توصيف الفرق بين الاختلاف في الرأي أو الخلاف كمبدأ في التعامل والحكم على الآخرين، فما يلفت الانتباه فيما نراه على وسائل التواصل الاجتماعي والتي أصبحت في هذا الزمن وسائل تباعد أقرب منها للتواصل هو استحضار تاريخ الأمة وتراثها ومن ثم وسم من يختلف معه لسبب أو لآخر بأن فكره أموي وهذا عباسي وذلك فاطمي بشكل «يشقف» الأمة أكثر مما هو عليه، حقاً لا أعلم هل تاريخنا ومن يمثله بنظر هولاء مخجل ومعياراً لوسمه بمن نختلف معهم، هل يزعم هولاء أن واقع حاضر الأمة الآن أفضل من ماضيها حتى يكون معياراً نعاير فيه الاخرين، فكل الأمم المعاصرة تلجأ لتاريخها بما فيه من شخصيات عظيمة كنبراس لأبنائها لاستحضار المجد وبناء حضارتها المعاصرة، فتجد البريطاني يتفاخر بالإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس فيما يحدثك الصيني عن حضارة الشرق الاقصى بدقتها وجمالها حتى الامريكي الذي لا تتجاوز عمر دولته قرنان ونصف من الزمان تراه لا ينفك يسمعك عن الآباء المؤسسين الذين ساهموا باستقلال وبناء الولايات المتحدة الأميركية.
«لم يعرف العالم فاتحاً أرحم من العرب» العبارة التي قالها المستشرف الفرنسي المعاصر جوستاف لوبون دفاعاً عن امتنا عندما حاول احدهم وصفها بالهمجية والتخلف مشيراً لما حدث للقارة الاوروبية من جراء الحرب العالمية الاولى على ايدي ابنائها «المتحضرين»، فما قاله لوبون هي الرد المناسب من الأخرين على ابناء جلدتنا الذين يرون في تاريخنا «مستودعاً» للمعايرة والعيوب، ألم يدرس هولاء عن بني أمية ودولتهم التي عربت الامة الاسلامية من ابواب باريس الى سور الصين العظيم وماذا عن عمر بن عبدالعزيز الذي اعتبر الخليفة الراشدي الخامس بعدله ورحمته وتواضعه، وما قولهم عن الحضارة العباسية التي كان يتسابق فيها الغرب للنهل منها وكانت اساساً لنهضتهم المعاصرة وأيضاً هارون الرشيد الذي تحدى الغيمة بأن خيرها سيعود لرعيته، حتى الفاطميين والعثمانيين رغم وجود الملاحظات التي يراها البعض على فترات معينة بحكمهم فلهم مالهم وعليهم ما عليهم كمرحلة مهمة في تاريخ الأمة.
المعلوم أن أول ضربة معول في هدم أي أمة هو محاولة قطع الصلة بين نشأها الطالع وتاريخها فيصبح النشأ بهذه الحالة كالوعاء الفارغ الذي يقرعك بتاريخ الامم الاخرى ومظاهر حضاراتهم، ومع عدم التحمس كثيراً لنظرية المؤامرة فما يجري يتقاطع بشكل واضح مع أهداف أعداء الأمة في تشتيتها واشغالها بخلافاتها وذلك من خلال انشاء الحسابات الإلكترونية الوهمية المعدة لتأجيج الأتهامات السخيفة والخلاف عليها، فنشر أشاعه كاذبة أو أثارة جزئية خلاف كفيل بتكوين جبهة عمادها التخوين والشتم وادعاء العمالة وغيرها مما يغُم الخاطر من أقوال واوصاف تبرز مدى الجهل والفراغ في نفوس وافكار أطرافها.
لا شك ان كل الامم تفتخر بتاريخها وارثه الذي يحوي نقاط بيضاء وسوداء وتحاول قدر الامكان تضخيم الايجابيات وتقليل اثر السلبيات أمام ابناءها والاخرين بل وتسعى للتكاتف والوحدة لما فيه خير مستقبلها من خلال ذلك الفخر، فأوروبا التي عصفت بها حربين عالميتين وقبلها حرب المئة عام والحروب الدينية الطائفية بعد حركة الإصلاح الديني في القرون الوسطى والتي نتج عنها عشرات الملايين من الضحايا تراها اليوم بمثابة كيان وتكتل واحد يجمع دولها على اختلاف لغاتهم وطوائفهم واديانهم واعراقهم، فكأن معاضل ألأمة وهمومها وفي مقدمتها ما تعايشه حالياً في فلسطين العزيزة يسبقه في الاولوية عرض مسلسل تاريخي على شاشاتنا لهذه الشخصية او تلك وبشكل يبرز الحال بكل ألم وغصة.