حسام عايش : التحول الإنتاجي: قراءة في مراجعة الصندوق الثالثة

التفاؤل المنضبط، هذا ما تقوله المراجعة الثالثة لصندوق النقد لاداء الاقتصاد الاردني، وفق البرنامج المعمول به اعتبارا من كانون الثاني 2024. وهو تفاؤل يمنح الحكومة دفعة معنوية مهمة، خصوصا في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الدقيقة التي تمر بها البلاد.
المراجعة، اوضحت، انه بالرغم من الازمات الاقليمية؛ فان البرنامج الإصلاحي اظهر اداء قويا حافظ خلاله الاقتصاد الاردني على تماسكه، وحقق اهداف العجز لعام 2024، وثبت دعائم الاستقرار النقدي، وسيطر على التضخم، وكرس متانة القطاع المصرفي.
المراجعة، اعادت التأكيد على هدف خفض الدين العام -باستثناء دين الضمان الاجتماعي- إلى أقل من 80% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2028. وهو هدف طموح، خصوصا وان ارقام المديونية نهاية 2024- وهو العام الاول من البرنامج- تشير إلى ارتفاع نسبة الدين العام مع دين الضمان الى 116.8%، وبدون الضمان إلى نحو 90% مقارنة بـ89.2% في نهاية عام 2023. حتى ان رئيس جمعية البنوك قدر اجمالي المديونية عند 122% من الناتج المحلي- وكأني به يضيف الفوائد الى هذا الاجمالي-.
هذه النسب مرشحة للارتفاع اكثر مع احتمالية توقف او تراجع المساعدات الاميركية، ما يعني ارتفاع نسبة المديونية العامة بدون الضمان الى ما هو اكثر من 90% من الناتج، حيث ستتجاوز الفجوة بين االنسبة الحالية -90%- والنسبة الجديدة -80%- 10 نقاط مئوية بالحد الادنى، وبالمعدل ستكون هناك حاجة لخفض سنوي للدين كنسبة من الناتج بين 3 إلى 4 وربما 5 نقاط مئوية حتى عام 2028، فهل هذا ممكن؟
حسب المراجعة الثالثة، الامكانية تكمن، بالتركيز على تحسين الإيرادات، ورفع كفاءة الإنفاق، لكن مع اشارة ذكية من الصندوق الى التحديات «المستمرة» في قطاعي الطاقة والمياه، باعتبارهما من اهم المعوقات المؤثرة على استدامة المالية العامة، وإن لم تقل المراجعة ذلك صراحة.
لتحقيق نسبة دين عند 80% من الناتج المحلي-79.6% فعليا- يتطلب الامر تحقيق فائض اولي سنوي بحدود 5%. وهو هدف يصطدم بواقع اقتصادي لا يتجاوز نموه 2.5% حاليا، مع توقعات بنمو 2.7% في 2025 و3% في 2026، إلى جانب ضغط اجتماعي متزايد نتيجة السياسات الضريبية، كما ظهر مؤخرا في احتجاجات ضريبة السيارات الكهربائية ومشروع قانون ضريبة الابنية والاراضي.
الخيارات تبدو محدودة. فإما سداد ديون بدون استبدالها، او استثناء ديون الكهرباء والمياه اسوة بالضمان من إجمالي الدين العام. اخذا بالاعتبار ان ادوات الإصلاح التقليدية – من ضبط إنفاق وتوسيع للقاعدة الضريبية – لم تعد كافية كما يستنتج من المراجعة، وما تظهره الارقام والواقع الاقتصادي.
لذلك، يصبح الانتقال من إدارة العجز الى إنتاج النمو ضرورة لا رفاهية، ما يستدعي إطلاق برنامج اقتصادي وطني، بمضمون إنتاجي، وتوسع استثماري، وعائد معيشي ملموس. برنامج يحرك عجلة النمو الحقيقي، ويوفر فرص عمل، يزيد إيرادات الحكومة، ويفتح مجالات لقطاعات اقتصادية جديدة تسهم في تنويع الاقتصاد الأردني.
برنامج ليس بالضرورة ان يتعارض مع البرامج المتفق عليها مع الصندوق بل يكون موازيا لها، وطني الرؤية، وواقعي الادوات، يعيد تعريف العلاقة بين الدولة والاقتصاد والمواطن عبر إدارة الاصول بدل التركيز على إدارة العجز فقط.
برنامج، يدعم القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة والطاقة المتجددة، بدل دعم مؤسسات مستقلة غير منتجة. يتضمن ضبطا فعالا للإنفاق لا مجرد تقشف.
برنامج، يقوم على عقد اقتصادي مالي انتاجي يكرم مساهمات المواطن ورجال الاقتصاد، ويضمن عدالة توزيع الاعباء والعوائد، ويدفع نحو اقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة والريادية، ويعيد الاعتبار للمزايا النسبية والتنافسية للأردن في الإقليم.
رسائل صندوق النقد الإيجابية مهمة، لكنها لا تكفي وحدها. فخفض الدين ليس مجرد إنجاز رقمي محاسبي تقني، بل يجب ان يكون عنوانا لتحول اقتصادي واجتماعي انتاجي عميق يلامس احتياجات جميع الشرائح السكانية، يعيد الثقة بالسياسات الاقتصادية، ويضع الاردن على طريق الاعتماد على الذات، لا على المجاملات او الوعود الدولية.