صالح سليم الحموري يكتب : المسؤولية الاجتماعية أم المسؤولية المجتمعية؟

في زمن لم تعد فيه المؤسسات تُقاس فقط بأرباحها، بل بأثرها، يُطرح سؤال يبدو بسيطًا في ظاهره، لكنه عميق في دلالاته: هل نقول "المسؤولية الاجتماعية" أم "المسؤولية المجتمعية"؟
هذا ليس مجرد خلاف لغوي، بل اختلاف فلسفي واستراتيجي يمس صميم دور المؤسسة في عالم سريع التغير، تتزايد فيه التحديات، وتتطلب فيه التنمية شراكة تتجاوز الشعارات.
مصطلح "المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات" (CSR) نشأ في الأدبيات الغربية، وكان يُقصد به مسؤولية الشركات تجاه موظفيها والمجتمع، مع تركيز على الأخلاقيات والمساهمات الطوعية في القضايا العامة.
وعند ترجمته إلى العربية، تم تبنيه بمصطلح "المسؤولية الاجتماعية"، دون مراعاة الفرق الثقافي بين الفرد والمجتمع، أدى ذلك إلى اختزال المفهوم في أنشطة خيرية أو مبادرات علاقات عامة موسمية، دون أن يكون جزءًا من نموذج العمل المؤسسي.
في عام 2009، وخلال عملي في شركة التميز للتطوير المؤسسي بالأردن، طُلب منا تطوير توجهات المؤسسات في هذا المجال. بدأنا بإعداد أدلّة تطبيقية، طبّقناها على مؤسسات مثل الوحدة الاستثمارية التابعة للضمان الاجتماعي وأمانة عمان الكبرى.
ولتوسيع نطاق التأثير، نظمنا أول مؤتمر متخصص في المسؤولية المجتمعية للمؤسسات، بحضور أكثر من 350 مشاركًا من مختلف القطاعات. وقد شكّل هذا المؤتمر لحظة وعي جماعي بأهمية نقل المفهوم من "الاجتماعية" إلى "المجتمعية".
في المقابل، يُعد مصطلح "المسؤولية المجتمعية" أكثر تعبيرًا عن السياق العربي، فهو لا يقتصر على الأعمال التطوعية، بل يُحمّل المؤسسة دورًا فاعلًا في صُنع التنمية، هنا لا تكون المؤسسة راعيًا لأنشطة، بل شريكًا في بناء المجتمع.
فهي مسؤولة عن دعم التعليم، حماية البيئة، تمكين الفئات الضعيفة، خلق فرص العمل، والمساهمة في السياسات العامة أحيانًا. وهذا الدور لا يختص بالشركات فقط، بل يشمل القطاعين العام والخاص، ومؤسسات المجتمع المدني على حدٍ سواء.
قد يبدو الفرق بين المصطلحين لغويًا، لكنه في الحقيقة يعكس تصورين مختلفين لدور المؤسسة في المجتمع. "الاجتماعية" تُحيل إلى العمل الأخلاقي والرمزي، أما "المجتمعية" فتعني التزامًا طويل الأمد ضمن استراتيجية المؤسسة نفسها.
فاللغة ليست محايدة. هي مرآة للفكر، وإن أخطأنا في الوصف، نضل في الفهم، ونبتعد عن الأثر الحقيقي.
إن بناء مستقبل أكثر عدالة واستدامة يتطلب تحولًا فكريًا في طريقة فهمنا لدور المؤسسة، فالمطلوب ليس فقط أن نتحدث عن المسؤولية، بل أن نُعيد تعريفها، من شعار نعلّقه، إلى ثقافة نعيشها، ومن مبادرة موسمية إلى التزام مؤسسي دائم.
وبين "الاجتماعية" و"المجتمعية"، هناك معركة مفاهيم تستحق التأمل. لأن اختيار الكلمة الصحيحة يعني اختيار الطريق الصحيح.
لقد بات واضحًا أن المسؤولية المجتمعية لم تعد ترفًا مؤسسيًا أو خيارًا تسويقيًا، بل حاجة وطنية واستراتيجية تنموية، وها هو قطار المسؤولية المجتمعية في الأردن يبدو أنه قد عاد إلى السكة، مدفوعًا بمبادرات متجددة وإرادة حقيقية لدى بعض الجهات.
لكن السؤال الملحّ يبقى: هل تلتحق بقية الشركات والمؤسسات بالركب؟
أم ستظل في مقاعد الانتظار، بينما المستقبل يصنعه من قرروا أن يكونوا جزءًا من الحل؟
فلتكن مسؤوليتنا المجتمعية... رؤية، والتزامًا، وفعلًا.