الأخبار

المحكمة الدستورية .. صرح حضاري بارز ومحطة مهمة في عملية الإصلاح الشامل

المحكمة الدستورية .. صرح حضاري بارز ومحطة مهمة في عملية الإصلاح الشامل
أخبارنا :  

عمان - عامر حياصات - خط القانون الأردني في السادس من تشرين الأول 2012، فصلا جديدا في عمليات الإصلاح الشاملة والمتدرجة، بعد ان أقرت المادة 58 في التعديلات الدستورية آنذاك والصادرة بتاريخه إنشاء "المحكمة الدستورية" ومقرها في العاصمة عمان، حيث تعتبر هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها تتألف من 9 أعضاء على الأقل بينهم الرئيس ويعينهم جلالة الملك.
وحرص جلالة الملك في توجيهاته للجنة الملكية لتعديل الدستور، على تأكيد دور المحكمة الدستورية في مسيرة الإصلاح وتعزيز مبدأ الفصل بين السلطات وإيقاف تغول السلطات بعضها على بعض والدفاع عن حريات الناس وحقوقهم بالشكل الذي ورد في نصوص الدستور خاصة بعد تعديله المتوافق مع المعايير الدولية في ممارسة هذه الحقوق والحريات.
وأكد خبراء لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أحقية أي طرف من أطراف الدعوة المنظورة أمام المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، الدفع بعدم دستورية أي قانون أو نظام واجب التطبيق على موضوع الدعوى وفق الأصول المحددة في قانون المحكمة الدستورية.
وبينوا أن المحكمة تفصل في الطعن المحال إليها خلال مدة لا تتجاوز 120 يوماً من تاريخ ورود قرار الإحالة، كما أن للمحكمة أن تطلب أي بيانات أو معلومات تراها ضرورية لذلك وتصدر المحكمة قراراتها باسم الملك ويكون الحكم الصادر عنها نهائياً وملزماً لجميع السلطات.
وقال أستاذ القانون الدستوري وعميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة الأردنية الدكتور ليث نصراوين، إن الأردن يحرص دوما على تعزيز مفهوم حقوق الإنسان وحرياته الأساسية من خلال تكريسها والنص عليها في الدساتير الثلاثة التي تعاقبت على الدولة منذ نشأتها، فحرص كل من القانون الأساسي "الدستور" لعام 1928 ودستور الاستقلال لعام 1946 والدستور الحالي لعام 1952 على أن يتضمن مواد دستورية تقرر للأفراد حقوقا دستورية اختلف نطاقها وإطار تطبيقها بتقدم الحياة البرلمانية والديمقراطية في الأردن.


وأشار نصراوين الى أنه بعد إنشاء المحكمة الدستورية تحولت الرقابة على دستورية القوانين من رقابة لامركزية تمارسها جميع المحاكم إلى رقابة مركزية تختص بها المحكمة الدستورية من خلال أعضاء مشهود لهم بالخبرة القانونية والقضائية الواسعة من خلال عملهم كقضاة في أعلى المحاكم الوطنية وكمحامين لسنوات طوال وأساتذة أكاديميين في الجامعات الوطنية، حيث تكون القرارات الصادرة عن المحكمة الدستورية في مجال الرقابة القضائية تتمتع بحجية مطلقة وملزمة لجميع السلطات.
وأضاف إنه ومنذ إنشائها في عام 2012، مارست المحكمة الدستورية الأردنية المهام الموكلة إليها بكل أمانة ومسؤولية، حيث بسطت رقابتها على العديد من النصوص القانونية وأصدرت العديد من الأحكام التي أعلنت فيها مخالفة النصوص القانونية للقواعد الدستورية، كما أصدرت العديد من القرارات التفسيرية لنصوص الدستور التي ساهمت بشكل أساسي في تعزيز الفهم الدستوري لدى السلطتين التشريعية والتنفيذية، الأمر الذي انعكس ايجابا على مخرجات العمل العام لصالح حماية حقوق الإنسان وتعزيزها في الأردن.
ولفت نصراوين الى أن النصوص الناظمة لعمل المحكمة الدستورية خضعت لتعديل إيجابي في عام 2022 يتعلق بتبسيط آلية الطعن بعدم الدستورية أمام المحاكم القضائية، بحيث أصبح لـ"قاضي الموضوع" الحق بإحالة أي دفع يتعلق بعدم الدستورية يقدم له من أطراف الدعوى مباشرة إلى المحكمة الدستورية، فالنظام السابق كان يشترط أن يقوم القاضي إحالة الدفع إلى محكمة التمييز للتدقيق فيه ولتقرر إحالته إلى المحكمة الدستورية من عدمه لذا نجد أن الدستور الأردني بعد عام 2022 قد قام بتسهيل إجراءات الطعن بعدم الدستورية لغايات تعزيز الحقوق والحريات.
من جهته، قال استاذ القانون الإداري والدستوري المساعد في كلية القانون جامعة اليرموك الدكتور جهاد ضيف الله الجازي، إن للمحكمة الدستورية في الأردن أهمية كبيرة من خلال اضطلاعها بمهمة الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة وتفسير النصوص الدستورية، الأمر الذي لم يكن موجوداً قبل التعديلات الدستورية لعام 2011 من جانب محكمة مختصة، حيث أنه قبل هذا التعديل كان القضاء يطبق رقابة الامتناع من خلال امتناعه عن تطبيق النصوص غير الدستورية.


وأوضح أن المحكمة تختص بتفسير الدستور والرقابة على دستورية القوانين والأنظمة من خلال الطعن المباشر من الجهات المخولة قانوناً، وهي مجالس النواب والأعيان والوزراء أو عبر الطعن غير المباشر من جانب الأفراد من خلال الدفع بعدم الدستورية أمام محاكم الموضوع.
وأضاف إن هذه الرقابة تعد بمثابة صمام أمان قانوني يكفل عدم تجاوز السلطتين التشريعية والتنفيذية لأحكام الدستور ويحول دون المساس بالحقوق والحريات العامة التي كفلتها الدساتير والقوانين ذات الصلة.
وأكد أن المحكمة الدستورية تسهم في ترسيخ مبدأ سيادة القانون وتكريس مبدأ المشروعية الدستورية، ما يعزز استقرار القواعد القانونية والدستورية ويحقق الأمن القانوني لجميع الأفراد والجهات داخل الدولة، فضلاً عن تمتع أحكام المحكمة بصفة الإلزام المطلق لجميع السلطات والأفراد، ما يعكس مكانتها القانونية الرفيعة في النظام القضائي الأردني ويجعل منها ركيزة أساسية في البنية القانونية للدولة وخطوة متقدمة في مسار الإصلاح السياسي والدستوري الذي ينادي به جلالة الملك دوماً لرفعة الأردن.
وبين أنه من خلال التطوير المستمر للمنظومة الدستورية أُجري التعديل الدستوري الهام في عام 2022 الذي يتعلق بآلية الإحالة إلى المحكمة الدستورية عند إثارة الدفع الفرعي بعدم الدستورية من جانب الأفراد متى كانوا أطرافاً في دعوى منظورة أمام أي محكمة موضوع، فيحق لأي من الخصوم اثارة دفعاً بعدم دستورية نص سوف يُطبق عليهم في تلك الدعوى من خلال اثارة هذا الدفع أمام محكمة الموضوع التي تحيله مباشرة إلى المحكمة الدستورية دون وسيط عند توافر الجدية فيه.
وأكد أن حق الأفراد في الدفع بعدم دستورية نص قانوني أو نظام نافذ أمام القضاء يعد أحد أبرز صور الرقابة الدستورية غير المباشرة التي أقرها المشرع الأردني، فلم يحصرها الدستور الأردني وقانون المحكمة الدستورية بالسلطات العامة المتمثلة في مجلسي النواب والأعيان ومجلس الوزراء بل منحها أيضاً للأفراد.
وأشار الجازي إلى انه قبل التعديل الدستوري الأخير لعام 2022 كان يتم العمل بنظام "التصفية" الذي يقضي بقيام محكمة الموضوع بإحالة الدفع إلى محكمة التمييز لتقوم الأخيرة بتقدير مدى جديته ثم إحالته "إن وجدت الجدية" إلى المحكمة الدستورية وهو ما يستغرق اجراءات أكثر وتأخيرا في البت بهذا الدفع خلافاً لما هو الحال بعد التعديل الدستوري الأخير. ويُعد هذا التعديل نقلة نوعية في إجراءات الرقابة الدستورية، لما فيه من تبسيط للإجراءات وتسريع للبت في الدفوع الدستورية وتمكين للمتقاضين من الوصول الفعال إلى المحكمة المختصة، كما يُعبر عن ثقة المشرع في قدرة محاكم الموضوع على تقييم مدى جدية الدفع المثار بعدم الدستورية، ما يعزز ضمانات حماية الحقوق الدستورية ويُرسخ مبدأ الرقابة القضائية الفاعلة على دستورية التشريعات.
وتابع، ان المحكمة الدستورية لعبت دوراً محورياً في تعزيز مبدأ سمو الدستور وحماية الحقوق والحريات من خلال اصدارها للعديد من الأحكام القضائية التي قضت بعدم دستورية بعض القوانين والأنظمة التي خالفت الدستور او تعارضت مع مبادئه، فضلاً عن اصدارها العديد من القرارات التفسيرية لنصوص الدستور التي بينت التفسير السليم لهذه النصوص، حيث يعد هذا النهج تجسيداً فعلياً لرقابة القضاء الدستوري على التشريعات.
وقال إن الأحكام القضائية والقرارات التفسيرية أسهمت في تطوير الفقه الدستوري وترسيخ ثقافة احترام الدستور كمصدر أعلى للتشريع في الدولة الأردنية.
بدوره، أوضح عضو مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان القاضي محمد الطراونة، أن التعديل على الدستور الأردني عام 2011 أضاف فصلا خاصا بالمحكمة الدستورية بموجب المواد 58 وواكب عملية التحديث والتطوير المؤسسي في الدولة الأردنية


وحلت المحكمة الدستورية مكان محاكم الموضوع في الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة وكذلك تفسير نصوص الدستور وحددت المادة التاسعة من قانونها على سبيل الحصر، "الجهات التي لها الحق في "حضانة الطفل" مباشرة أمام المحكمة وهي مجالس الأعيان والنواب والوزراء"، كما أعطت المادة 11 من ذات القانون الحق في الطعن بطريقة غير مباشرة من خلال الدفع الفرعي "الفردي"، حيث يحق لكل شخص أن يدفع بعدم دستورية أي قانون أو نظام من خلال دعوى منظورة أمام المحاكم بعد الاطالة من قبل محكمة ‏التمييز إن تبين لها جدية الدفع.
-- (بترا)

مواضيع قد تهمك