غزة تقترب من كارثة إنسانية جديدة نتيجة إغلاق المعابر

غزة - أحمد زقوت
مع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، شدّد الأخير إجراءاته على المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، ومنع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانيةفي القطاع المحاصر، إذ يعيش أكثر من مليوني شخص في ظروف صعبة.
وأدى هذا الإغلاق إلى نقص حاد في المواد الغذائية والإمدادات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع غير مسبوق في أسعار البضائع الضرورية، مما زاد من معاناة السكان المنكوبين . وفي ظل تعثر إدخال المساعدات واستمرار القيود المفروضة، تزداد المخاوف من تفاقم الأزمة الإنسانية، خاصة مع غياب أي مؤشرات على إعادة فتح المعابر في المستقبل القريب، ما يهدد بتدهور الأوضاع أكثر.
وباتت الأسواق في غزة شبه خالية من بعض المنتجات الأساسية، فيما تضاعفت أسعار السلع المتاحة، وقد التقت «الدستور» بمواطنين، للحديث عن تأثير إغلاق المعابر على الأسواق وأوضاعهم الإنسانية.
في سوق الزاوية بمدينة غزة، أحد أكبر الأسواق الشعبية في القطاع، قال المواطن عماد بركات لـ «الدستور»، إنّ «الأوضاع أصبحت لا تُحتمل بعد انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق، لا يوجد طعام كافٍ، والمياه قليلة جدًا،كنت أنتظر المساعدات بفارغ الصبر، وإغلاق المعابر يجعل الأسعار ترتفع بشكل جنوني، فالسكر والزيت والدقيق ومعظم المواد الأساسية بدأت تنفد، وما يتوفر منه يباع بأسعار مضاعفة».
وأضاف بركات في حديثه بتفاصيل مؤلمة عن وضعه الشخصي، أنني «فقدت منزلي في القصف، والآن أعيش في مدرسة مع مئات العائلات، ولا يوجد خصوصية، ولا راحة، وأطفالي ينامون على الأرض دون أغطية كافية. لا كهرباء، لا مياه نظيفة، ولا أدنى مقومات الحياة الكريمة، ولا أعرف كيف سأدبر أمري في الأيام القادمة، فالوضع أصبح صعبًا للغاية، والأمل في الوصول إلى المساعدات بدأ يتلاشى مع مرور الوقت»، مشيراً إلى أنّ الحياة اليومية أصبحت مليئة بالتحديات بسبب الحصار والتوتر المستمر.
من جهته، أكّد عمر صبح لـ «الدستور»، أنّ «الإغلاق تسبب في شح كبير بالمواد الغذائية، خاصة الدقيق، الزيت، السكر، والأرز. خلال أيام الهدنة، دخلت بعض الشاحنات المحمّلة بالمساعدات، لكنها لم تكن كافية لسد احتياجاتنا، والآن، بعد وقف إدخال البضائع مجددًا، باتت الأسواق شبه خالية، والأسعار تضاعفت بسبب قلة المعروض».
وحول أسعار السلع، أوضح صبح، أنّها»تضاعفت بشكل كبير، على سبيل المثال، كان سعر كيس الدقيق 25 كيلوغرامًا قبل أسبوع 50 شيكلًا، واليوم وصل إلى 100شيكل، وربما يزيد خلال الأيام القادم، ولتر الزيت ارتفع من 60 شيكلًا إلى90 شيكلًا، أما سعر الخضار كالطماطم كان سعر الكيلو 6 شيكل، أما الآن 15شيكلاً، والبطاطا مثلها، وهذا الارتفاع مرهق جدًا لنا كأسر تعاني الجوع والحرمان والفقر».
ووسط طوابير طويلة وأرفف شبه فارغة، وقفت المواطنة أم علاء أيوب تتحدث لـ «الدستور» عن معاناتها اليومية بسبب توقف المساعدات وإغلاق المعابر، قائلةً بحسرة: «الأسعار أصبحت خيالية، كنت أذهب إلى السوق لأشتري ما تحتاجه عائلتي،أما الآن حتى الخضار والمواد الأساسية باتت نادرة، وعندما أجدها تكون بأسعار تفوق قدرتي، ولا أعلم كيف سأكمل حياتي بهذا الشكل، وكيف سأوفر الطعام لأطفالي وسط هذا الحصار الخانق، لا أستطيع تحمل تكاليف أبسط الأشياء.»
وتابعت أم علاء: «كل يوم أصبح معركة، أخرج في الصباح بحثًا عن الطعام، عن الماء، عن أي شيء يمكن أن يساعدني على الاستمرار،أقف في طوابير طويلة على المخابز، وعلى محطات توزيع المياه، وعلى نقاط المساعدات أنتظر لساعات، وأحيانًا أعود خالية اليدين، أصبحت أشعر أنني في سباق مع الزمن، لكنني أركض بلا نهاية، بلا أمل واضح في أن يتحسن الوضع»، مشيرةً إلى أنّه «إذا استمر الحصار وإغلاق المعابر، فإنّ المجاعة حتمية». وتعقيباً على قرار الاحتلال بوقف إدخال المساعدات الإنسانية لغزة، أكد المستشار الإعلامي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» عدنان أبو حسنة، أنّ قرار الاحتلال وقف دخول المساعدات سيؤدي إلى كارثة إنسانية في القطاع.
وقال أبو حسنة في تصريحٍ صحافي: «الوضع الإنساني في القطاع لا يزال حرجًا، فغزة لم تتعافى بعد من تبعات أزمة الجوع التي مرّت بها خلال شهور الحرب»، مضيفاً أنّ «المساعدات التي وصلت إلى غزة غير كافية على الإطلاق، ولا تُلبّي سوى جزء بسيط من احتياجات السكان الضخمة».
وأوضح المستشار الإعلامي، أنّ 2.3 مليون فلسطيني يعانون من ضغوطٍ متزايدة في ظل النقص الحاد بتوفر الأصناف الغذائية الأساسية في الأسواق، مشيراً إلى أنّ منع وصول المساعدات للمنظمات الإنسانية، وعلى رأسها الوكالة، يزيد من حدة الأزمة، حيث يعتمد معظم سكان القطاع على هذه المساعدات.
وشدد أبو حسنة على أنّ استخدام المساعدات الإنسانية كسلاح تفاوضي أمر غير مقبول على الإطلاق، لافتًا إلى أنّه يتنافى مع القوانين الدولية وقوانين الأمم المتحدة، داعيًا إلى السماح بإدخال المساعدات بشكل شامل ودون قيود.
بدوره،طالب المكتب الإعلامي الحكومي، الوسطاء بالضغط على الاحتلال لتنفيذ التزاماته بموجب الاتفاق، بجميع مراحله، وتنفيذ البروتوكول الإنساني، وإدخال مستلزمات الإيواء والإغاثة ومعدات وآليات الإنقاذ إلى القطاع.
وعدّ المكتب الإعلامي، أنّ قرار رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وقف إدخال المساعدات تأكيد جديد على عدم التزامه بتعهداته وتنصله من التزامات وقف إطلاق النار، ما يعكس وجهه الاجرامي القبيح، ويعد استمراراً لحرب الإبادة، وابتزازاً لشعب كامل بلقمة عيشه وشربة مائه وحبة دوائه».
وقال المكتب في بيانه، إنّ «الاحتلال يؤكدمجدداً تجاهله للقوانين الدولية، وضربه بعرض الحائط الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، فمنع إدخال المساعدات يعني فعلياً حرب تجويع على أهالي القطاع، الذين يعتمدون بشكل كامل على المساعدات في توفير غذائهم لتوقف كل قطاعات العمل والإنتاج بسبب آثار محرقة الاحتلال».
وتابع: «حذرنا منذ اليوم الأول من مغبة الصمت على خروقات الاحتلال وعدم الضغط عليه، في ظل تواصل انتهاكاته اليومية والمنهجية للاتفاق، والتي أدت إلى ارتقاء أكثر من مئة شهيد من أبناء شعبنا في غزة، إضافة إلى تعطيل البروتوكول الإنساني، ومنع إدخال مستلزمات الإيواء والإغاثة، وتعميق الكارثة الإنسانية داخل القطاع».
ودعا المكتب، إلى موقف عربي إسلامي موحد ،وموقف دولي صارم للضغط على الاحتلال ومن يسانده في جرائمه ،لوقف هذه الجريمة الجديدة من الجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي والإبادة بالتجويع ضد أكثر من 2.3 مليون إنسان.
في ظل إغلاق المعابر ووقف إدخال المساعدات الإنسانية، يزداد الوضع في قطاع غزة سوءا، إذ يعاني السكان من الجوع والفقر، وتزداد مخاوفهم من تفاقم الأزمة مع غياب الأمل في تحسن الوضع قريبًا، ويطالب الفلسطينيون المجتمع الدولي بالتحرك العاجل لتقديم الدعم وإنقاذ أرواح الملايين قبل فوات الأوان. ــ الدستور