د. محمد العرب : مدن ستختفي للأبد: البحر يبتلع الحضارة قبل نهاية القرن

التغير المناخي لم يعد مجرد تحذير مستقبلي، بل تحول إلى حقيقة لا يمكن إنكارها والعلماء يؤكدون أن مستوى سطح البحر قد يرتفع بمقدار مترين بحلول عام 2100، مما يعني أن مدناً بأكملها ستُمحى من الوجود، وستصبح بعض المناطق التي تحتضن ملايين البشر غير صالحة للحياة. هذا السيناريو الكارثي ليس مجرد احتمال بعيد، بل أصبح واقعاً حتمياً إذا استمرت الانبعاثات الكربونية في التصاعد بالمعدلات الحالية. منذ عام 1993، ارتفعت مستويات المحيطات بنحو 9 سنتيمترات، لكن البيانات تشير إلى أن هذه الوتيرة تتسارع بشكل مخيف. تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) تحذر من أن بعض المدن الساحلية، وربما دولاً بأكملها، قد تختفي تحت الماء قبل نهاية القرن الحالي.
المدن الساحلية الكبرى في أمريكا الشمالية ستكون من أولى الضحايا. نيويورك، ميامي، ولوس أنجلوس ستشهد غرق أجزاء كبيرة منها، خاصة المناطق المنخفضة مثل مانهاتن السفلى وميامي بيتش، مما قد يجعلها غير صالحة للسكن. في اليابان، تواجه طوكيو خطر الفيضانات نتيجة ارتفاع مستوى البحر، إلى جانب الزلازل التي قد تسرّع من غرق أجزاء كبيرة من المدينة.
أما في آسيا، فإن الكارثة ستكون أشد فتكاً نظراً للكثافة السكانية العالية. بنغلاديش، التي تعاني أصلاً من الفيضانات الموسمية، قد تفقد 17% من أراضيها، مما قد يؤدي إلى تشريد أكثر من 30 مليون شخص. عاصمة إندونيسيا، جاكرتا، تغرق بمعدل 25 سنتيمتراً سنوياً، مما أجبر الحكومة على اتخاذ قرار بنقل العاصمة إلى جزيرة بورنيو قبل أن تختفي المدينة تماماً تحت المياه. في الهند، ستشهد كلكتا ومومباي دماراً هائلاً نتيجة ارتفاع مستوى البحر، مما سيؤدي إلى أزمات إنسانية ضخمة.
في أوروبا، فإن هولندا تقف على حافة الكارثة، إذ إن ثلث أراضيها يقع أصلاً تحت مستوى سطح البحر وتعتمد على سدود لحمايتها، لكن هذه الأنظمة قد لا تصمد أمام الارتفاع المتسارع للمياه. مدينة البندقية (فينيسيا) في إيطاليا، التي تعاني أصلاً من الفيضانات، قد تصبح غير صالحة للسكن تماماً وفي المملكة المتحدة ستواجه لندن تهديدات خطيرة من ارتفاع مياه نهر التايمز، مما قد يؤدي إلى غرق أحياء واسعة من العاصمة.
أما في العالم العربي، فإن التأثير سيكون مدمراً على عدة مستويات، حيث تقع العديد من المدن العربية الكبرى في مناطق منخفضة، مما يجعلها عرضة للخطر بشكل مباشر. في مصر، مدينة الإسكندرية، التي تعد واحدة من أقدم مدن العالم، مهددة بالغرق مع تآكل سواحلها وارتفاع منسوب البحر. تشير التقارير إلى أن أجزاءً واسعة من المدينة، خاصة في المناطق القريبة من الكورنيش والميناء، قد تختفي خلال العقود القادمة. مدينة بورسعيد تواجه أيضاً خطر الغرق، مما قد يؤثر على قناة السويس، أحد أهم الممرات البحرية في العالم. ارتفاع البحر قد يؤدي إلى تملح الأراضي الزراعية في دلتا النيل، مما يهدد الأمن الغذائي في البلاد.
في دول الخليج العربي، فإن اجزاء من المنامة في البحرين تقع على ارتفاع أقل من مترين عن مستوى البحر ًوهذا يهدد اجزاء منها بالغرق وكذلك الدوحة في قطر تواجه خطراً مماثلاً ، حيث أن المناطق الساحلية الرئيسية في المدينة قد تختفي إذا استمرت معدلات ارتفاع البحر في التصاعد. في الإمارات العربية المتحدة، فإن بعض المناطق المنخفضة في دبي وأبوظبي معرضة لخطر الفيضانات الساحلية، مما قد يؤدي إلى خسائر اقتصادية بسبب اعتماد هذه المدن على السياحة والتجارة العالمية.
أما في العراق، فإن مدينة البصرة، التي تقع على مقربة من الخليج العربي، مهددة بتآكل سواحلها وتملح أراضيها، مما سيؤثر على النشاط الزراعي والحياة في جنوب العراق بشكل عام. في الكويت، فإن المناطق الساحلية المنخفضة ستشهد أضراراً كبيرة، خاصة في ظل احتمالية تآكل السواحل وتغلغل مياه البحر إلى المناطق السكنية والتجارية.
في المغرب وتونس وليبيا، فإن المدن الساحلية مثل الدار البيضاء، تونس العاصمة، وطرابلس ستواجه تهديدات كبيرة نتيجة ارتفاع البحر، مما سيؤثر على ملايين السكان الذين يعتمدون على الصيد البحري والتجارة الساحلية. في الجزائر، فإن العاصمة الجزائر قد تتعرض لخسائر ساحلية كبيرة، مما سيؤثر على الموانئ الرئيسية التي تربط البلاد بالتجارة العالمية.
أما في إفريقيا جنوب الصحراء، فإن مدينة لاجوس في نيجيريا ستكون واحدة من أكثر المدن تضرراً ، حيث يُتوقع أن تصبح بعض أحيائها غير صالحة للسكن. كيب تاون ودربان في جنوب إفريقيا ستشهدان ارتفاعاً كارثياً في مستوى البحر قد يؤدي إلى فقدان مساحات شاسعة من الأراضي الساحلية.
في أستراليا، فإن سيدني تواجه خطر الفيضانات الساحلية، بينما ستختفي بعض الجزر تماماً مثل جزر المالديف، كيريباتي، وتوفالو التي ستصبح غير قابلة للسكن مع ارتفاع البحر.
التوقعات تشير إلى أن أكثر من مليار شخص قد يصبحون بلا مأوى بسبب ارتفاع مستوى البحر، مما سيؤدي إلى صراعات عالمية على الموارد، وانهيارات اقتصادية، وموجات نزوح غير مسبوقة. إذا استمرت الانبعاثات الكربونية على مستوياتها الحالية، فإن المدن التي نعرفها اليوم قد تصبح مجرد أطلال تحت الماء، لتصبح شاهداً على فشل البشرية في الاستجابة لإنذارات العلم المتكررة. النافذة الزمنية للتصرف تغلق بسرعة، وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات جذرية قريبًا، فإننا سنواجه عالماً مختلفاً تماماً بحلول نهاية القرن .!