د. الحوارات يتحدث عن خيارات الأردن ضد تعليق المساعدات
قال الكاتب والمحلل السياسي الدكتور منذر حوارات إن قرار الولايات المتحدة الأمريكية الأخير بتعليق المساعدات للأردن، ضمن حزمة من الدول، مع استثناء كل من مصر وإسرائيل، يمثل تطورًا غير مسبوق في العلاقة الثنائية بين البلدين ويثير العديد من التساؤلات حول مستقبل هذه العلاقة الاستراتيجية.
وفي الوقت الذي كانت فيه حزمة المساعدات الأمريكية جزءًا من سياسة دعم استقرار دول المنطقة، وتعزيز العملية السلمية،
كان الهدف الأمريكي واضحً، ألا وهو تمكين هذه الدول من النهوض اقتصاديًا، وفي الوقت نفسه ضمان استمرار دور الأردن المحوري في حفظ الأمن الإقليمي، كما صرّح لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية، مضيفًا أن قرار تقديم هذه المساعدات كان اعترافًا من الإدارات السابقة بأهمية الدور الأردني في مواجهة التحديات الأمنية التي تهدد المنطقة، بدءًا من تنظيم القاعدة وصولًا إلى داعش، وهو ما يجعل العلاقة بين البلدين أكثر تعقيدًا وأهمية في سياق المصالح المتبادلة، حيث تواجد القواعد العسكرية الأمريكية على الأرض الأردنية يعد ركيزة أساسية في السياسة الأمريكية لضمان استقرار المنطقة وحماية مصالحها الاستراتيجية. لكن، في الوقت الذي كانت التوقعات تشير إلى أن هذه المساعدات ستستمر وفقًا للاتفاقات السابقة، جاءت خطوة الإدارة الأمريكية بتعليق هذه المساعدات لمدة 90 يومًا من أجل مراجعتها، لتصبح خطوة غير مفهومة في إطار العلاقة المتميزة بين البلدين، وحتى إن كان من المتوقع أن يتم استئناف هذه المساعدات بعد تلك الفترة، فإن القرار يثير القلق حول تغير طبيعة العلاقة وأهدافها الاستراتيجية، ففي الواقع، يٌعتبر هذا القرار بمثابة ابتزاز غير موفَّق للأردن، وهو ما يضع ضغطًا كبيرًا على المملكة في ظل التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، كما أن هذا القرار قد ينعكس سلبًا على مكانة الأردن الإقليمية ويقلل من تأثيره في عملية صنع القرار على المستوى الدولي. وبيّن الحوارات أنه، وفي خضم هذه التطورات، يطرح السؤال الأهم: هل يمتلك الأردن الفعّالة للتأثير في السياسات الأمريكية، رغم الفارق الكبير في القوة بين البلدين؟، إذ لا شك أن الطبيعة غير المتكافئة للعلاقة تضع قيودًا على الأدوات الأردنية، ولكن تجارب الأردن في التفاعل مع الملفات الإقليمية الحساسة، بالإضافة إلى موقعه الاستراتيجي، تمنحه أدوات ناعمة وفعّالة للإدارة السياسية، فالأردن يمتلك كذلك شبكة علاقات دولية مع معظم دول المنطقة والعالم، من خلال موقفه الثابت في دعم السلام والاستقرار الإقليمي، علاوة على ذلك، فإن وجود القواعد العسكرية الأمريكية على الأراضي الأردنية لا يقتصر على حماية المصالح الأمريكية، فهو يحمل في طياته أيضًا تبعات على العلاقة الأردنية الداخلية، وهو ما يوجب على المملكة إعادة تقييم شروط هذا التواجد بما يتناسب مع مصالحها الوطنية. وفي هذا السياق، تظل مسألة تحقيق موازنة بين المصالح الأردنية والأمريكية مسألة في غاية الأهمية، فلا يمكن للأردن أن يستمر في تقديم خدماته دون ضمان مصالحه الحيوية، وبالنظر إلى السياق الذي طرح فيه ترامب نظرية "دفع الثمن" في علاقاته الدولية، فإن المصالح الأمريكية في الأردن يجب ألا تكون مجانية، وهذه القواعد العسكرية في الأردن لا تحمي المملكة بقدر ما تحمي المصالح الأمريكية، والدليل على ذلك، ما شهدته منطقة الركبان من تحولات، في هذا الإطار، يتساءل البعض: هل يجب على الأردن اتخاذ خطوات تصعيدية، أم أن الاستراتيجية الأنسب هي سياسة الانتظار وتحمل تبعات هذه القرارات؟، من الناحية السياسية، يصعب على الأردن اتخاذ خطوات راديكالية في هذه المرحلة، خصوصًا في وقت يشهد فيه العالم تحولًا من مرحلة العولمة إلى صراعات جيوسياسية جديدة، ولكن، في الوقت ذاته، فإن الإدارة الأمريكية، ورغم قوتها العسكرية والاقتصادية، لن تكون راغبة في ترك فراغ استراتيجي في المنطقة يمكن أن يتحول إلى نقطة ضعف، وبالتالي، من الممكن أن يوفر تعليق المساعدات فرصة للأردن لتحسين شروط التواجد العسكري الأمريكي على أراضيه، وإعادة تقييم هذه العلاقة بما يتناسب مع مصالحه القومية. ونوّه الحوارات إلى أن أحد الأبعاد المهمة في هذا السياق هو أنه يمكن للأردن استخدام هذه اللحظة لمراجعة شروط التعاون العسكري والاقتصادي مع الولايات المتحدة بما يخدم مصالحه على المدى البعيد، ويمكن اعتبار المساعدات الأمريكية بمثابة جزء من الواجبات التي تتحملها الولايات المتحدة تجاه الأردن، ولا ينبغي أن تكون خاضعة للمراجعة كلما تغيرت الإدارات الأمريكية، ومن هنا، يمكن للأردن أن يسعى للمساومة على هذه المساعدات في إطار أوسع من التعاون الاستراتيجي، وهو ما قد يتطلب براعة دبلوماسية فائقة وقدرة على استخدام الأوراق السياسية بكفاءة. واستطرد الحوارات قائلًا إنه من الواضح أن إدراج الأردن ضمن عملية المراجعة يحمل في طياته رسالة ذات بعد استراتيجي تتعلق بمشاريع سياسية مستقبلية، وهذه المشاريع قد تتطلب من الأردن تقديم تنازلات استراتيجية، وهو ما أشار إليه جلالة الملك عبد الله الثاني في تصريحاته التي أكد فيها أن الأردن لن يغامر بمستقبله، في تأكيد يعكس وضوح الرؤية الأردنية تجاه سياسات الإدارة الأمريكية تجاه المملكة. واختتم حديثه بالقول أنه قد يكون من المفيد أن يتخذ مجلس النواب الأردني المبادرة ويعرض الاتفاقيات الأردنية الأمريكية على طاولة النقاش، مشيرًا إلى أن الأردن أيضًا يملك الحق في مراجعة بنود هذه الاتفاقيات.
ــ اخبار الاردن