الأخبار

محمد خروب : هل سمعتم.. بـ«الاكتئاب الجيوسياسي» ومراحله؟ (2 ـ 2)

محمد خروب : هل سمعتم.. بـ«الاكتئاب الجيوسياسي» ومراحله؟ (2 ـ 2)
أخبارنا :  

استكمالاً لمقالة أمس/الأحد, التي تَمحورت حول مُصطلح «الاكتئاب الجيوسياسي», الذي أفاض أندريه شكولنيكوف... الاقتصادي والعالِم السياسي والخبير الجيواستراتيجي الروسي, في شرحه والإضاءة عليه, في مقالة مُثيرة, (نشرتها صحيفة «زافترا» الإليكترونية/ الروسية قبل أربعة أيام. قام بترجمتها د. زياد الزبيدي), بما هو مصطلح أو قُل نوع «جديد» من الاكتئاب, الذي لا يُصيب الأشخاص بل «الدول» والكيانات السياسية, وهو كما يُؤشر عنوانه, ينخرط في تحديد مراحِله, التي (كما رأينا في مقالة أمس), على الأنظمة السياسية وموازين القوى الداخلي?, وتلك الأطراف التي تنشغل بتداعياته, خاصة تلك التي تُواجه تُحديات سياسية, وتتهدّدها اضطرابات داخلية بمفاعيل خارجية.

هنا يواصل «شكولنيكوف» تشخيص ما باتت عليه الأوضاع في سوريا, قبل وعشية الثامن من كانون الأول الجاري, قائلاً: لقد وصلَ المجتمع السوري إلى مرحلته النهائية، وأراد أن «يموت» في شكله الحالي. لقد رفضَ السكان والنُخب ـ أضافَ الكاتب ـ بشكل «جماعي» حماية الثقافة والأُسس، ورحّبوا بأي تغيير على الإطلاق، مُعتقِدين بصدق ـ لفتَ شكولنيكوف ـ أن الأمور لا يُمكن أن تزداد سوءاً. سذاجة واضحة ـ أردفَ كاتبنا، فبعد مثل هذه القرارات على وجه التحديد تسوء الأمور، أسوأ بكثير. والوضع عندما يَرفُضُ الآلاف من الجنود إطلاق النار، ويُلقون ?أسلحتهم ويعودون إلى ديارهم, في حشود ضائعة.. هو مُؤشر واضح.

لو كانت السياسة أكثر عقلانية وذات مغزى ـ استطردَ شكولنيكوف ـ لاستمرت المُعاناة لعدة سنوات، لكن لم يَكن من المُمكن تأجيل الانهيار. لم يتوقّع ـ لفتَ الكاتب ـ الإسلاميون والأتراك والبريطانيون، وغيرهم، الذين يقِفون وراءَهم.. مثل هذه النتيجة على الإطلاق. وهذا واضح في المسارات الدبلوماسية والتفاوضية. كانت خطّتهم ـ أشارَ الكاتب ـ خلق بؤرة توتّر ومشاكل لروسيا وإيران، لكن بدلاً من ذلك انتهى بهم الأمر ـ أكدَ شكولينكوف ـ بأكثر من 15 مليون شخص تابعين بحاجة للدعم والإعالة. إن موارد هذه المنطقة ـ واصلَ ـ لن تسمح للسكان ?لحاليين، ناهيك عن اللاجئين الذين يتم إعادتهم، بالبقاء على قيد الحياة بشكل مُستقل (خاصة فيما يتعلق بإنتاج واستهلاك النفط)، ولن يُساعِد الحلفاء أو سيفعلون ذلك بطريقة مَحدودة للغاية.

إن نظام الإدارة لدى حُكام سوريا الجُدد, على مستوى الزعيم/غريتسيان تافريتشيسكي من مالينوفكا (بطل فيلم «عُرس في مالينوفكا» الفكاهي/1967, عن الحرب الأهلية في روسيا بعد ثورة/1917. أدى التغيير المُستمِر للسلطة بين القوات السوفياتية والانفصاليين الأوكران, إلى دفع سكان قرية مالينوفكا ـ خلال الحرب الأهلية ـ إلى تعديل ملابسهم وسلوكهم وفقًا لذلك. «تنويه المُترجم»). كان النجاح في سوريا مُذهلاً وفي وقت مُبكر جداً، وستكون النتيجة مُتوقعة بشكل سلبي. «في غضون 9-12 شهراً سيُصبح بشار الأسد ـ يتوقع الكاتب ـ رمزاً وأملاً ونج?اً مُرشداً للسكان المحليين. ولِحُسن الحظ، على عكس صدام حسين (1937-2006) ومعمر القذافي (1942-2011)، فقد نجا/يقصِد الأسد, ولديه كل الفُرص للعودة، وإن كان ذلك «فقط» إلى المنطقة الساحلية، لإعادة «إنشاء فينيقيا».

لم تمر سوى أيام قليلة منذ انهيار النظام الجمهوري ـ يُضيء الكاتب هنا على «ملف آخر», في ارتباطه بتداعيات الثامن من كانون الأول/2024 ـ حتى «تفاجأت» وكالات الأنباء, عندما لاحظتْ أن «روسيا تتفاوض مع السلطات الجديدة، وأن القواعد العسكرية قائمة»، وأن العربَ السُنّة المُوالين لتركيا, يُواصِلون مُحاربة الأكراد, المُؤيدين لأميركا التي تُسيطِر على النفط ـ وأن «شي جين بينغ/الرئيس الصيني» يرفضُ السفر إلى واشنطن. إن ملامحَ ـ أردفَ الكاتب مُستنتجاً ـ «الهزيمة الاستراتيجية الرهيبة» لروسيا, «تتلاشى بشكل مُتزايد». إذ كل شيء?على ما يُرام. مَن كانِ ليتصور ذلك؟. تساءَلَ شكولينكوف... بارتياح.

ما الخلاصة التي توصّل إليها كاتبنا؟.

قال الخبير الجيواستراتيجي الروسي: لقد دخلَ العالم عصر الحروب والكوارث؛ وفي الظروف المُعاصرة، لم تعد الصراعات العسكرية «الطويلة الأمد» أمراً شائعاً. لا يتعلق الأمر ـ أردفَ ـ بالحرب في أوكرانيا بالنسبة لروسيا، التي أصبحت مُلهِمة ومُوجّهة نحو النصر بشكل متزايد. بل ـ أضافَ ـ إن المُواجهة المفتوحة «مع الغرب» تسمح بالتغييرات الداخلية, ولها تأثير محدود على المجتمع. أما بالنسبة للأراضي التي «لن» تستولي عليها روسيا، فلن يكون الانتقام هو الذي سيُميّزها في غضون سنوات قليلة، بل «الاكتئاب الجيوسياسي». ونعم ـ استطردَ ـ ?ي العصور الغابرة كان التواصل ضعيفاً، وكان السكان قادرين على البقاء لسنوات, دون الشعور بالحروب المُستمرة، والتي تمتد «حسب الكُتب المدرسية» إلى عقود من الزمن، والآن «لن يكون الأمر بهذه الطريقة، فقد أصبحَ الإنغماس كاملاً»... ختمَ شكولينكوف. ــ الراي

kharroub@jpf.com.jo

مواضيع قد تهمك