عبد الهادي راجي المجالي : صنّاع الحياة
... ماذا لو عاد نزار قباني الآن، وشاهد الجولاني يستقبل القادة وكبار المسؤولين العرب.. هل يا ترى سيعيد قول قصيدته المشهورة: (اه ياشام كيف أشرح ما بي وأنا فيك دائما مسكون).. هل سيكتب عن بلقيس مرة أخرى، وعن الخلاخيل في أقدام الدمشقيات؟
ماذا لو عاد جورج طرابيشي.. هل سيعيد نشر كتابه: (من إسلام القران إلى إسلام الحديث).. ماذا سيكون موقفه من المشهد؟.. وهل سيعيد صياغة ما كتبه عن الموروث في العقل العربي؟
ماذا لو عاد (حنا مينه).. ورأى اللحى تطوف في شوارع دمشق؟.. هل سيعتذر عن رواية (المستنقع) يا ترى؟
ماذا لو عاد صباح فخري.. هل سينشد مرة أخرى بعضا من القدود الحلبية على قاسيون، هل سيقيم حفلة.. وينادي حادي العيس.. هل سيغني مرة أخرى: (فوق النخل فوق)...
ماذا لو عاد الماغوط.. الماغوط وحده ثورة، ووحده حكاية.. ماذا سيكتب الآن عن سوريا وعن مجتمعها وهو الذي يصف نفسه دائما بجملة واحدة عرف فيها حياته وإنتاجه وتمرده إذ يقول: (بدأت وحيدا وانتهيت وحيدا، كتبت كإنسان جريح وليس كصاحب مدرسة أو تيار).. يا ترى لو عاد الماغوط هل سيبقى جرحه نازفا؟
ماذا سيقول برهان غليون الآن أمام هذا المشهد، ماذا ستقول صباح الجزائري..؟
ماذا سيقول دريد لحام، وهو من علمنا التمرد.. هو من أعطى للكوميديا روحها وهو من تحدى الواقع العربي، وعرف البؤس والخيانة.. والهزيمة، حين قدم ملحمته المشهورة (غربة)، لم تكن مسرحية بل كانت ملحمة.
في سوريا هنالك خصوصية للسلطة فهي تستمر إذا تحالفت مع الطبقة المتنورة إذا تحالفت مع العقل والفن والقلم.. النظام السابق في سوريا مارس دور الدكتاتورية المتنورة، وظل على تحالف ولو بسيط مع هذه الطبقة.. لكن هذه الطبقة في السنوات الأخيرة نسفت هذا التحالف..
في السلطة الجديدة في سوريا، لم أشاهد صوت نزار قباني.. لم ألمح ولو صورة للماغوط في مقاهي دمشق، وجورج طرابيشي أحس أنه حمل كتبه وغادر إلى فرنسا مرة أخرى.. لم أسمع صوت صباح فخري، وفؤاد غازي لم أسمع باسمه.. مع أن أغنيته (صف الفشق ضيعتو).. كانت نشيدا ثوريا أكثر منها أغنية.. كيف تجرأ فؤاد في ظل نظام شمولي أن يغني عن (الفشك)..؟
حتى صباح فخري الذي ظل صوته في مقاهي العالم العربي يصدح.. غابت صوره عن دمشق، وصوته غاب..
أنا لا أهاجم السلطة الجديدة في سوريا، على العكس سوريا تستحق الحياة.. لكنها كانت منبع التنوير والعقل العربي، وأنصح السلطة الجديدة هناك.. بأن يكون تحالفها مع العقل والقلم والوعي..
كم تمنيت لو أن الجزيرة بدل عرضها للمقابر الجماعية، زارت منزل الماغوط أو منزل صباح فخري.. أو جامعة دمشق، على الأقل صناع الحياة خالدون.. أما صناع الموت فالتاريخ مقبرتهم. ــ الراي
Abdelhadi18@yahoo.com