رمزي الغزوي : الذين يعيشون الحياة كما يجب
يا هذا العمر المتسرب كقبضة ماء والمتماثل كصفحة سراب بقيعة نحسبه الماء. لكم صار يباغتنا رأس السنة ويفاجئنا، فيطل علينا من طرف الشباك كجنرال عجول، يضبطنا نشعل شمعة عنوداً تتعبنا، فكلما نجحنا بإشعالها أطفأتها هطلات دموعنا، ولهاثنا. فلماذا لا نتذكر السنة إلا عند نزول ماء رأسها؟ ولم لا نحتفي بذيل السنة وأفولها؟ أليست الأيام سواء؟ ولماذا يختلط بكاؤنا من سنة ولت بفرح خجول بسنة هلت؟
لماذا رأس السنة إذن؟ ألأن العمر بيدرُ قمح مركوم نلمُّ سنابله سنبلةً سنبلة وظهورنا تقضُّ من وطأة أثقالها وأحمالها، وأيادينا تتشقق بحناء التراب. فهل كان الخبز جديراً بكل هذا التعب العذب؟ وهل تنفست أرضنا برئة من فضاء لا تحده حدود، ولا تقيده قيود؟ أم أن الآخرين كانوا بالمرصاد يتربصون لأحلامنا الثلجية، فيرشونها بالملح كي تموت مباهجنا في براعمها وأكمامها؟
عند كل رأس سنة أحار بأيامي كيف أعدها وأعدُّدها. هل كل يوم مر بي عشته بحق كما ينبغي للحياة أن يعاش؟ أم أنني كنت من الذين يتلعثمون عند عتبة كل يوم جديد، فلا يملكون إلا أن يجتروا سالف أيامهم وظلالها فيضيعون كل شيء، مستقبلهم وحاضرهم؟ وهل حقاً أنا أحيا حياتي؟ فقِلةٌ هم الذين يولدون ليحيوا وكثيرون أولئك الذين ينتظرون قدوم قطار الموت ليس إلا. فهل زرعنا كما ينبغي للحياة أن تزرع وتحصد؟ أم أن ما زرعناه كان رملاً مبثوثاً في أرض أجاج لا يجدي خبزاً؟
فرق شاسع واسع بين الحياة والعيش: النبات والبكتيريا والأميبا، والذباب، كلهم يعيشون ويشغلون حيزاً في الكون، لكن من منهم يحيا حياته؟ فهل سنقترف الحياة ونقتنصها ونحياها بحذافيرها؟ أم أنها ما عادت تفرق معنا بعد أن تشابهت علينا الأيام.
بقية مقال رمزي الغزوي
الذين يعيشون الحياة كما يجب
وتساوت في مذاقها ورائحتها ولونها، فتوقفنا عن إدراك الأشياء التي تصادفنا وتحيط بنا؛ وصرنا محصنين ضد الدهشة، وبات لا يدهشنا شيء، حتى انكسار خيط من الضوء، في ضباب السماء، وترذذه إلى ألوان قزح مفرحة لا يدهشنا. مساكين نحن إذ نفقد دهشتنا.
دعونا نترك أصابعنا ونسجل بصماتنا على زجاج الأيام مهمكا كانت صعبة، وعلى كؤوس الحياة التي نشربها رغم كدر هذا العالم العكر. دعونا نحيا بصدق صادق فغداً سيقولون إذا ما تلمسوا بصماتنا، هنا كانوا وعاشوا حياتهم كما يجب. ــ الدستور