د. ماجد الخواجا : وتمضي بنا الحياة
يسير قطار العمر كأنه لحظة من حياة لا نملك منها شيئاً غير غبارٍ من ذكرياتٍ تتلاشى مع مرور السنين، وبين طموحات وتحديات وأزمات وتحولات نتنقل بين محطات العمر التي تتفاوت في درجة إقبالنا وحماستنا للوصول إلى هذه المحطة والخلاص من تلك المحطة دون أن ننتبه أن ما يمضي هو عمرنا الفعاّل النادر.
يقال إن الزمن شيء نسبي، وهو يشبه الصورة التي نلتقطها ذات موقف أو مناسبة نريد بها أن نحظى بتوقف الحياة وامتلاك تلك اللحظات منها عبر صورة. فالزمن ما هو إلا امتداد خادع يظهر في تعابير الوجه وتجاعيد اليدين وتباطؤ القدمين والتخلّص من ركام يملأ الوجدان والخاطر من غبار الحياة. فيما يظل ذاك الطفل الشقّي المشاغب مستقراً في النفس الحائرة، فتجده يظهر على هيئة تصرفات تبدو غريبة أو ممارسات لا تلائم شكل وعمر صاحبها. هذا هو الإنسان وهذا هو كنه الحياة الأساسي، فلا معنى للحياة إن عشناها كدائرة تنتهي بتلاشي الإنسان وافتقاده لمقومات الحياة، لكنها تظل أجمل وأكثر حيوية عندما نعيشها كخطٍّ طولي ممتد وثريّ وخصب بالتجربة والشغف والإنبهارات التي تعلن دائماً عن بدايات بلا نهايات.
هناك من يصيبهم متلازمة تدعى بهوس العمر والسنة الجديدة، فتجدهم يفترضون ويتخيلون أن ثمة حياة ومرحلة لا علاقة لها بما مضى من العمر، حتى يصلون إلى ذروة الانتشاء والهوس ما أن تعلن الساعة دخول العام الجديد، ربما يمكن اعتبار ذلك نوعاً من الرغبة بكسر الجمود والروتين وسلسلة الإخفاقات والإنكسارات عبر محاولة صناعة حلم وأمل بالتغيير والتحوّل.
هناك من يعيشون حالة مما تسمى بهوس النهايات، ومنهم من كان ينتظر النهايات للبشرية مع نهاية عام 2000، ثم كان هناك هوس نهايات في مناسبات أو مفاصل معينة، منها ما ارتبط بظهور أشخاص أو حروب أو حوادث، لا بل وصل الحال بالبعض منهم إلى أن يقوموا بالانتحار الجماعي في سبيل الخلاص النهائي من الحياة.
هذه هي البشرية الحائرة المعذّبة التوّاقة للخلاص وللنهايات الأجمل المتخيّلة، وقد قيل لولا الأمل لانعدم الرجاء، فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.
عام 2025 هو اكتمال الربع الأول من القرن الأول للألفية الثالثة التي ما زال البعض ينتظر النهايات منذ مطلعها قبل خمسة وعشرين عاماً.
إنه عام مميز بحضوره وموقعه، وهو قد يكون مفصلاً هاماً وحاسماً في مسارات البشرية، وقد يكون مجرد عام من أعوام الحياة السريعة العبور والمرور.
في 2024، حملت البشرية أوجاعاً وآلاماً وحروباً وظلماً وقهراً للإنسانية المعذّبة الباحثة عن أفقٍ أكثر محبةً وسلاماً وكرامة.
نعيش ما شاء الله لنا من حياةٍ، فلا هي تتوقف ولا تنتظر أية نهاياتٍ أو أية بداياتٍ، إنها كالنهر الجاري تسير إلى حيث ما شاء لها خالقها، فاغنموا منها وانهلوا من شغف العمر ما يكفيكم لتجنّب صقيع النهايات.
عام نتمناه بالخير والسعادة والمحبة والسلام لجميع الإنسانية، فسلام إلى غزّة الجريحة المعذّبة، سلام لفلسطين السليبة الحبيبة، سلام للبنان وسوريا واليمن ومصر وليبيا والجزائر والسودان والعراق والصومال ودول الخليج كلها، وتونس والمغرب وموريتانيا، سلام سلام للأردن الصامد القابض على جراحه والناشر للفرح والأمل.
عام جديد نتمناه أن يكون اكثر هدوءاً وانسجاماً وسلاماً. ــ الدستور