علي البلاونة : بشار والأخطاء الإستراتيجية
ذهبت الى دمشق، وكانت تربطني علاقة مع وزير الثقافة السابق د رياض عصمت، الرجل قامة سورية، توفي في نيويورك بفايروس كورنا بعدما ترك الوزارة بعد الأزمة، في هذا اللقاء وفي دمشق، اقترح الرجل عقد سلسلة لقاءات مع مسؤولين كبار، وفعلا جرت أحاديث عديدة، أحد اللقاءات كانت بالصدفة، حيث تركت دمشق لبضعة أيام، وذهبت إلى الزبداني، دخلت بسيارتي مجموعة من الفلل الراقية، وشعرت أني تورطت، حيث قابلني مجموعة من الشباب بسلاحهم، دعوني للنزول، ودخلت معهم وأنا أضرب أخماسا بأسداس، لولا أني أحمل ورقة مكتوب فيها ضيف وزارة الإعلام السورية.
بعد التهدئة، أجروا اتصالاتهم بالإعلام ، وتغير الموقف إيجابا، وقال لي أحدهم هذه قصور رئاسية، وهذا منزل آصف شوكت، وأنا مدير تحرير مجلة المجلة اللندنية، شربت القهوة، وأخذوا رقم هاتفي، وفي المساء اتصل بي شخص دعاني لذات المكان، وكان اللقاء مع آصفت شوكت، في تلك الساعات، استعرضت كل ما كتبنا عن سوريا، وعن شوكت نفسه، ولازلت غير مطمئن، ودار حديث عن سوريا، كان ذلك في 2010، قبل الأزمات بعام.
طلبت منه لقاء، إلا أنه اعتذر، لأن عليه أن يأخذ موافقة بذلك، وأنه لا يحبذ الإعلام، كان آصف معارضا لسياسات الأسد، ومعارضته قادت الى تصفيته، وخروجه من المشهد، كان هناك صراع داخل مؤسسة الحكم، وقوى تتربص بأخرى، ومخاوف من تطلعات البعض، استعرضت معه ما حدث في العراق، وما عصف به بعد عام 2003، فقال الرجل، خروجنا من لبنان، ضاعف الأزمة الداخلية، وكل الإصلاحات التي كانت ممكنة تم التراجع عنها، وكانت رؤيته بأنك اذا لم تبادر بالتغيير، سيفرض عليك، والدول المساندة لسوريا لديها مصالح، ولا يوجد هناك التزام دائم من قبلها، إلا بما يخدم مصالحها، وقد نجد أنفسنا في مأزق معها، ونصبح مرتهنين لها نهاية الأمر.
وفي العام 2013 عدت ثانية لدمشق وسبق ان طرح عدد من أصدقاء سوريا الوساطة بين النظام والمعارضة، وقلنا إن الدول ذات المصالح ستتبنى المعارضة، ويصبح الحل صعبا لأنه سيكون في جزء منه مصالح لتلك الدول، وقد تتصادم المصالح، وأن اللعب على التوازنات ممكن لفترة من الزمن، لكن هذه الدول قد تصل الى تفاهمات مستقبلا وعلى حساب سوريا، غير أن هذا كان مستبعدا من الأسد.
أحد الأصدقاء الذين تربطهم علاقة وثيقة بالأسد، كلف بإجراء حوارات مع المعارضة، واستجابت المعارضة لذلك، لكنها أبلغته مسبقا أن جهوده لن تكلل بالنجاح، لأن ليس لدى الأسد رغبة بالحل، وأن القرار السوري، لم يعد مستقلا، وأن القرار أصبح بيد إيران وحزب الله، وبعد فشل جهوده تلك، لم يزر دمشق، حتى دعي للقاء الأسد، الذي قال له إن القوة وفرض أمر واقع سيكون طريقا لحل الأزمة، وأن خسارة 30 ألفا قد يكون سبيلا لتحقيق ذلك، خرج الصديق وهو غير مصدق ما يقال، فطلب العودة، فقال له الأسد ستعود لتحتفل معنا بالإنتصار، فقال هل تتوقع أني سأحتفل معكم على حساب دماء السوريين.
وذهب مجموعة من الأصدقاء الى روسيا والتقوا وزير الخارجية ولم يتوصلوا الى نتيجة وقابلوا الرئيس بوتين وتحدثوا معه بأمر سوريا، بعدما أصبح الإرهاب يسيطر على 80% من سوريا، وأصبح إمكانية الاتفاق على حل تبدو صعبة جدا.
كان بالإمكان التوصل الى حلول، لكن هناك انفصال كبير عن الواقع، وضعف بالتقدير السياسي لدى الأسد، حتى جاءت الضربة الإسرائيلية لحزب الله مع تحذيرات وتطمينات إسرائيلية للأسد، بأنه باق، وهذا كان سبب إبتعاده قليلا عن حزب الله وإيران، التي قررت نهاية المطاف ان تعقد صفقة لضمان مصالحها، وخرجت قوات حزب الله، وتراكمات الأزمة على المؤسسة العسكرية التي وجدت أن المواجهة صعبة ودامية ولن تحقق نتيجة.
حديث أحمد الشرع مع العربية أشار الى أن النظام رفض كافة الحلول الممكنة، وأن المعارضة لم تتوقع انهيار الجبهة في حلب وحماة وحمص بهذه السهولة، وقد تفاجأت وأصبحت سلطة الأمر الواقع، ولم تكن مستعدة للتعامل مع تداعيات السقوط، لكن انسحاب الجيش والأمن، تم بتفاهم مع رئيس الوزراء السوري، الذي سيكتب له أنه أدار الموقف بحكمة موازية لحكمة الشرع، والتوجيهات التي صدرت اليه، بعدم تدمير مؤسسات الدولة، وعدم اللجوء للانتقام، وممارسة سياسة دولة وليست سياسة تنظيمات وفصائل ثورية.
الوضع السوري الآن، رغم ما يشاع أو يقال يتجه للتهدئة، وأن سوريا بحاجة لمزيد من الدعم الدولي والإقليمي، وخروج الشرع من عباءة تحرير الشام، الى عباءة الوطن والدولة السورية، هو الطريق نحو المسار الصحيح، حيث يجري الشرع اتصالاته وجميع المكونات السورية والتي تؤمن وتدعم الدولة الجديدة، والتي سيقرر المؤتمر التأسيسي شكلها الجديد.
هناك تفاؤل حذر، لكن المؤشرات تؤكد أن الشرع واع للمرحلة القادمة ومتطلباتها، ودور القوى الإقليمية والدولية، ومؤمن أن سوريا لن تستقر إلا بدعم عربي، ويبدو أن الدول العربية، تعاملت مع الأمر الواقع الجديد، وقطعت على نفسها عهدا بدعم الحكم الجديد بشروط، منها وحدة التراب السوري، ومحاربة الإرهاب، ومشاركة الجميع، وسوريا لن تكون منطلقا لتوجهات جديدة تؤثر سلبا على علاقتها مع الجوار ومع الإقليم ومع الدول العربية. ــ الدستور