د. عادل الحواتمة : ذيبان وأخواتها: تنمية الأطراف ضرورة وطنية
تحتاج التنمية الشاملة الجاذبة إلى تنوع في المصادر، ورؤًى مُتسقة وليست بالضرورة موحدة، وتشاركية بين الإرادة السياسيّة والمجتمعية، كما تحتاج لأن تستهدف المجتمع أفقيًا وعاموديًا، وبتوازن يضمن المشاركة الفاعلة في العملية التنموية، ويُعزز مبادئ العدالة ويضمن حقوق الإنسان، وبالتالي الحصول على مخرجات تنموية تنهض بحياة الإنسان وتنقله إلى مرحلة متقدمة وواقع أفضل، ولو نسبيًا. وإذا ما سلمنا بصحة ذلك، فإن أهش أنواع التنمية هي تلك التي تستند إلى رؤية واحدة تمثلها مجموعة تنفيذية تبنت مقاربات أحادية بتوجهات اقتصادية بحتة، وتغييب للواقع الاجتماعي دون الإلتفات لمدى مناسبة هذه النماذج للحالة الأردنية.
ما زالت التنمية بمفهومها الشامل تحتاج الى المزيد من العمل في الأردن. وما زالت ذات المقاربات تتنافس فيما بينها لاحداث المزيد من التوازن في عمليات ومعادلة تنمية المركز والأطراف دون ان تطغى احداهما على الاخرى وحسب الاولويات الوطنية، في هذا الوقت بالذات الذي يجب أن تركز فيه الدولة الأردنية، اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، على مقاومة أجندة ترامب، فمن المحتمل أن يكون الأردن، للأسف، من أكثر المتضررين من عودته؛ نظرًا لثقل الملفات التي سيتم التعاطي معها، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ومعاهدات التطبيع. وعلى هذين الملفين قد يتوقف إدماج الأردن من عدمه في مشاريع العلاقات الدولية والإقليمية ذات الطابع الاقتصادي على وجه الخصوص، وأيضًا فإن شكل حلول قضايا اللاجئين السوريين والفلسطينيين قد يشكل ويراكم عبئًا ماليًا، وربما سياسيًا.
لذلك، فإن أول خطوة في الاستعداد للسنوات الأربع القادمات، من وجهة نظر متواضعة، هي: تعزيز الوحدة الوطنية والالتفاف حول العَلم بمفهوم الدعم الكامل للقيادة والأجندة الوطنية، وكما يقال Rally' round the flag وتحقيق هذا يتطلب مجموعة متطلبات أمنية وسياسية واقتصادية، وكذلك اجتماعية لا تقل أهمية عن ذلك. حيث لا يمكن فصل أي عنصر من هذه العناصر عن الجانب الاجتماعي؛ ومرد ذلك يعود لطبيعة تشكيلة وتركيبة المجتمع الأردني، وخصوصية ثقافته. إلا أن هذا الجانب، على الرغم من محاولات تشويهه وتصويره بأن يُعَدُّ إلى حدٍ ما عائقًا في وجه التنمية، فقد اندمج وطنيًا بإيجابية ضمن أطر ومؤسسات الدولة وانتقل من مرحلة المساهمة في البناء والتأسيس إلى مرحلة العمل على ضمان سير وديمومة مخرجات تلك المرحلة بأفضل حال.
لواء ذيبان، كما هو حال بعض المناطق الطرفية، ما زال يحتاج الى عناية اكبر في إدارة العملية التنموية. فعلى الرغم من الموقع الاستراتيجي للواء والذي يُشرف على مطلات البحر الميت، وسد الموجب، وقربه من الطريق الصحراوي، ويحتضن مواقع سياحيةً مهمة مثل: جبل مكاور وآثار ذيبان، ومقام أبي ذر الغفاري، وغير ذلك، إلا أنه ما زال يحوز اعلى نسب البطالة والفقر في الأردن. فقد يكون من الافضل في هذه المرحلة ايلاء اهمية قصوى لتوجيه المنح والمساعدات الدولية، والمخصصات المحلية نحو هذا اللواء لتسريع وتيرة التنمية الشاملة فيه وتحسين الاوضاع المعيشية للمواطنين. هناك الكثير من المشاريع التي يمكن أن تستثمر طاقات الشباب الخلاقة وتدمجهم بعملية التنمية والبناء، والتي تحتاج فقط لرؤية شمولية في التوجه والمفهوم والتطبيق؛ لكبح جماح الهجرة الداخلية، وتنمية المناطق الريفية، وخلق حالة من ارتباط الإنسان الأردني بأرضه ووطنه وقيادته.
أستاذ العلاقات الدولية، جامعة لوسيل، قطر
ــ الراي