الأخبار

التسامح مبدأ أخلاقي وسياسي يفتقده الإقليم بسبب السياسات العنصرية

التسامح مبدأ أخلاقي وسياسي يفتقده الإقليم بسبب السياسات العنصرية
أخبارنا :  

عمان ــ بشرى نيروخ- يشكل التسامح ركيزة أساسية من ركائز التعايش السلمي واحترام التنوع الثقافي، ووسيلة لتعزيز التفاهم والتعايش بين الشعوب، وعنصرا أساسيا في بناء السلم والأمن العالميين، بحسب خبراء في الشأن السياسي.
ودعا الخبراء في أحاديثهم مع وكالة الأنباء الأردنية (بترا) بمناسبة اليوم الدولي للتسامح، الذي يصادف في 16 من تشرين الثاني، المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية لوضع حد لمآسي الشعب الفلسطيني والتصدي لسياسات القمع والتمييز، مؤكدين التزام الأردن بالتسامح كسبيل لتحقيق العدالة ودعم الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الظلم والاعتداءات المستمرة.
وبينوا التحديات الناجمة عن السياسات العنصرية والاستبدادية، ذلك أنها تعكس واقع اللاتسامح، وتساهم في نشر الكراهية والعنف، كما هو الحال في الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل، لافتين إلى أن استمرار هذه السياسات يزيد من معاناة الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية والأراضي المحتلة الأخرى.
كما أشاروا إلى أهمية التسامح باعتباره قيمة حضارية وإنسانية أساسية، مشيرين إلى دوره في تعزيز السلام والاستقرار بين الدول والمجتمعات، مؤكدين أن التعايش السلمي بين الثقافات والأديان يعد ضرورة لاستقرار الأمم.
أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس عبد الله توفيق كنعان، قال إن مفهوم التسامح ينطوي على مضامين قيمية ثرية بالمحبة واحترام التنوع الثقافي والتعايش على أساس الاعتراف بحقوق الآخرين ومعتقداتهم، ولترسيخ هذا السلوك الإيجابي، جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإعلان يوم 16 تشرين الثاني من كل عام يوماً دولياً للتسامح، بدءاً من عام 1995م حيث تم إعلان المبادئ بشأن التسامح.
وأشار إلى أن إشكالية وجود النقائض السلوكية أو الأفعال التي تغيب عنها الإنسانية والمعارضة لكل الأخلاق والمعتقدات والقانون الذي يجب أن يحترم سيادته الجميع، يكمن في بعض المجتمعات التي تتزعم إرادتها السياسية والقانونية والأخلاقية قيادات تتمسك بالعنصرية والاستبداد وفكر الإبادة تماماً كما هو حال حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية، التي تشكل ايدلوجيتها ودبلوماسيتها وممارسة جيشها عملية تطبيقية لظاهرة اللاتسامح، من نشر الكراهية والعنصرية والتمييز والعنف والمتمثلة بالقتل والتهجير والأسر وتدمير كل مظاهر الحياة كما يحدث في غزة ومدن الضفة الغربية وكامل فلسطين المحتلة ولبنان.
وأوضح أن اللجنة الملكية لشؤون القدس وبمناسبة اليوم الدولي للتسامح، تؤكد على الواجب الأخلاقي والقانوني للمجتمع الدولي بالاعتراف أولاً والسعي الدؤوب ثانياً لإنهاء مأساة إقليمنا خاصة الشعب الفلسطيني، الذي بات يعاني أمام أنظار العالم من الظلم وحرب الكراهية والإقصاء، بسبب سياسة "الابرتهايد" والإبادة والمجازر الإسرائيلية، والتي يقوم فكرها المشوه على أساطير دينية وخرافات تاريخية مختلقة تنبذ التسامح، وتعتمد على قتل الآخر ومحو هويته ووجوده، ومن المعلوم فكرياً أن الأديان هي أساس التسامح وبوابة قبول الآخر، إلا أننا أمام ممارسات الحاخامات وطلبة المدارس التلمودية التي تدعي التدين، فتقوم باقتحام المقدسات الإسلامية والمسيحية، وتسعى لهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه، وتستغل أعيادها ومناسباتها لتعزيز الكراهية وانتهاك حرمة وحقوق الشعب الفلسطيني.
وقال: "تؤكد اللجنة الملكية لشؤون القدس، أن أمتنا العربية والإسلامية والإنسانية المحبة للسلام، تدرك أن التسامح لا يعني تقبل الظلم والتخلي عن الحقوق والمعتقدات، بل الدفاع عنها والتضحية من أجلها خاصة إذا كانت هي الطريق للتحرر وحماية المقدسات والأرض والهوية، فالدين الإسلامي الحنيف يقوم على التسامح فكراً وممارسة والشواهد والدلائل على ذلك كثيرة، سواء ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية والسيرة النبوية والحضارة الإسلامية، بما في ذلك (لاءات التسامح) العظيمة في وصية أبوبكر الصديق -رضي الله عنه- لجيوش الإسلام، بعدم التعرض للأطفال والنساء والمدنيين ورجال الدين والشجر وغير ذلك مما لا يجوز انتهاكه، بينما نقرأ اليوم ونشاهد آلاف عبارات الحث على قتل المدنيين والتعرض للمقدسات في فلسطين من قبل قادة ومفكري الصف الأول في إسرائيل".
وبين أن التسامح وحتى يكون نهج حياتنا في المنطقة والعالم، يستوجب من المنظمات الدولية بما فيها الجمعية العامة اتخاذ ما يكفل الالتزام بالإعلانات الدولية المتعلقة بالتسامح وغيره، حتى يكون لهذه الإعلانات قيمتها العملية نحو السلام والعدالة، ويجب أن يفعل مثل هذا اليوم الدولي من خلال التربية الثقافية والإعلامية والدبلوماسية وإيجاد عقوبات رادعة لإسرائيل لوقف انتهاكاتها وجرائمها المستمرة.
وأكد كنعان أن الأردن شعباً وقيادة هاشمية صاحبة الوصاية التاريخية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس سيبقى متمسكاً بالتسامح المفضي للعدالة والحق بما في ذلك حق الشعب الفلسطيني بإيقاف المجازر والعدوان الإسرائيلي المستمر عليه منذ عقود طويلة، وسيبقى الأردن رسالة عمان والتاريخ والحضارة القائمة على التعايش والكرامة الإنسانية يدعم أهلنا في فلسطين والقدس ولبنان مهما كان الثمن وبلغت التضحيات.
الأستاذ المحاضر في قسم العلوم السياسية في جامعة سطيف2 في الجزائر الدكتور لبيد عماد، قال:"يمرّ علينا اليوم، اليوم الدولي للتسامح، وتتوالى الأعوام والعقود، ويبقى اليوم ثابتا شكلا، لكن التسامح ما فتئ يصبح أكثر فقدا لقيمته، وربما وجوده روحا ومضمونا".
وبين أن التسامح في تأصيله المعرفي ووجوده منتوج حضاري إنساني قديم تبلور داخل روح الديانات السماوية في صورتها الفطرية النقية، وتطور في كنف التجمعات البشرية والأنظمة السياسية التي قدّست وتقدّس قيم السلام والمحبة عبر العصور، انطلاقا من الاعتقاد الراسخ أن الإنسان خيّر بطبعه، وأن التسامح لذة نفسية فطرية تترك في هذا الكائن أثراً إيجابياً عميقاً لا يتركه الانتقام الذي يمكن اعتباره سلوكاً غير سوي وشذوذا في التفكير وقصور في الرؤية والتخطيط.
وأشار إلى أن الحياة في النهاية – سواء حياة الأفراد أو حياة الدول والأمم- أقصر من أن نقضي فصولها في تغذية العداء والحقد والضغينة مع من لا يستحق ولا يبادلنا نفس المشاعر، وأيام الأفراد -كما الدول- متحركة تحرك الرمال التي تلعب بها رياح الأقاليم لتشكّل زوبعة تعمي العيون والأبصار حينا، وتبني كتلا متكاملة مترابطة من الجبال الراسخة الصامدة حينا آخر، بيد أنه لا عجب أنه كلما اتسع مفهوم التسامح ضاقت مساحة التعصب والتطرف، لذلك نجد أن الدول والكيانات المهوسة بالعنف وإقصاء الآخر مفتقرة للعقلانية والقيم الإنسانية الروحية والأخلاقية التي تحميها من الهشاشة والاندثار، وهذا قانون طبيعي كوني كثيرا ما أثبتته الأحداث والوقائع التاريخية منذ الأزل.
واستكمل حديثه قائلا:"يستحيل أن تستقيم العلاقات البينية -إقليمية أو دولية -دون قيم وروح التسامح الذين يجب أن تترسخ في ثقافة الفرد والدولة معا، لأن غير ذلك سيبقي الإقليم حيزاً ترابيا مادياً ضيقا رغم اتساعه، يسوده الشعور الدائم بالقلق وعدم الثقة، رغم ما يبدو عليه ظاهريا من سلام واستقرار".
ولفت إلى أن حسن الجوار وتقبل الآخر أيضا ليس مجرد البحث عن سلام مؤقت ومصطنع مضمور وراء نفوس خبيثة لها مصالح وترتيبات اقتصادية أو سياسية أو جيواستراتيجية ضيقة، وإنما يجب أن يكون شعورا عميقا بالانتماء في فضاء إقليمي إنساني مجتمعي مشترك مستعد لتقديم التنازلات (السطحية لا الجوهرية) في سبيل الاستقرار والأمن والسلام لمن تجمعهم نفس المبادئ والأهداف والقناعات، أو يريدون ويهدفون إلى ذلك.
وقال:"إن التسامح يجعل الفرد والدولة ضمن مقاربة واحدة موحّدة تسمو فوق كل الاعتبارات والولاءات القبلية والعرقية والإثنية المذهبية، ويتجاوز ويخترق كل العادات والخرافات الباهتة البالية، لتتعايش ضمنه وعبره الخصوصيات الحضارية والثقافية كنوع من الإقرار الضمني بالتنوع الإنساني الرباني الطبيعي الفطري".
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الزرقاء الدكتور الحارث الحلالمة قال:"يأتي احتفال اليوم العالمي للتسامح كل عام ليذكرنا بقيمة هذه المناسبة التي تعكس روح المحبة والإخاء بين الشعوب، والتي أكدت عليها كافة الديانات السماوية، وجعلتها صفة أساسية لكل فرد في المجتمع لينعم الجميع بالأمن والاستقرار، ويعم المحبة والسلام للجميع".
وأشار إلى أن ديننا الإسلامي الحنيف بين في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية وكل التعاليم، على أهمية هذه القيمة، وأنها صفة ملازمة لمن يعرف حق الله في تعامله مع الآخرين، فقد جعلها قاعدة للحوار مع الآخر، وحث عليها في التعاطي مع الآخر في الدعوة والاختلاف في الرأي، فقد بين الدعوة لله أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن المؤمن الحقيقي هو من يتجاوز عن أخطاء الغير، ويكون ديدنه نشر المحبة والسلام.
لكن هذا الواجب السياسي والأخلاقي نحتفل به بهذا العام، ونحن نرى حجم العنصرية الصهيونية، والتي لا تقبل الآخر، وتتكبر وتطغى على كل من هو مختلف، فتشريعيا تسن قوانين تجعل منها دولة مغلقة على اليهود، ولا تحترم مكوناتها الأخرى وقوانين قائمة على عدم التسامح مع أي فئة تحت حجة الأمن فحديثا شرعت عدة قوانين، ومنها على سبيل الحصر يسمح بالسجن للطفل من عمر 14 عاماً في مراكز التوقيف كما تقوم بحرب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني فالأرقام تتحدث عن 70 بالمئة من الضحايا هم من الأطفال والنساء، كما نرى حجم التناقض العالمي الذي يحتفي بيوم التسامح، وهو يرى بصمت عما يحدث في قطاع غزة والضفة الغربية وكذلك في جنوب لبنان، ولا يقوم بواجبه الأخلاقي والإنساني في اتخاذ مواقف حقيقية جادة ضد الاحتلال الإسرائيلي، بحسب الحلالمة.
وبين أن هذا اليوم فرصة لتقييم الواقع، ونقف أمام أنفسنا لاستعادة هذه القيمة التي ساهمت في نشر المحبة والسلام والإنسانية، ونقف وقفة محاسبة أمام ضمائرنا لنقول نعم للتسامح ولا للكراهية والتطرف والخلاف.
يشار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة أعلنت يوم 16 تشرين الثاني من كل عام يوماً دولياً للتسامح، بدءاً من عام 1995م حيث تم إعلان المبادئ بشأن التسامح؛ للمساعدة في نشر التسامح وزيادة الوعي بأي تعصب قد لا يزال سائدًا في العالم اليوم.
--(بترا)

مواضيع قد تهمك