خلدون ذيب النعيي : إصلاح الأمم المتحدة كمتطلب للعدالة والاستقرار الدوليين
جاء انشاء منظمة الامم المتحدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وما صاحبه من انتصار الحلفاء على دول المحور، حيث سبقتها عصبة الامم التي فشلت في فرض الاستقرار والسلام في العالم بعد انسحاب المانيا النازية قبيل الحرب علماً ان الولايات المتحدة الاميركية صاحبة فكرة انشاء عصبة الامم بعد الحرب العالمية الاولى لم تنضم اليها حفاظاً على حيادها وعدم الانخراط بمشاكل وتجاذبات الدول في القارة العجوز، وكان الاساس الذي قام عليه ميثاق الامم المتحدة هو الحفاظ على الامن والسلم الدوليين بالإضافة لصون حقوق الانسان وتطلعات الشعوب في الحياة الفضلى والكرامة والاستقلال.
وكانت القضية الفلسطينية العنوان العريض لفشل الامم المتحدة على مدى تاريخها كونها كانت المحك الرئيسي لمدى مصداقية ميثاقها الذي قامت عليه فضلاً عن أهمية تلك القضية بتاريخها الطويل على الاستقرار الاقليمي والدولي ككل، وللأمانة فقد كان هناك نقاط مضيئة للمنظمة الدولية في هذا المجال من خلال اعتبار الحركة الصهيونية كحركة عنصرية وانشاء وكالة الأونروا للاختصاص بشؤون اللاجئين الفلسطينيين فقط والتي لم تسلم هي الاخرى من استهداف اسرائيل وحلفاءها بصفتها الشاهد على النكبة الفلسطينية بما فيها من لجوء وطرد شعب من ارضه لإقامة دولة اخرى، اما قراراتها التي تنصف الفلسطينيين والعرب عموماً فعلى كثرتها فلم ينفذ منها شيئاً واصبحت فقط كوسيلة للتذكير بالحق الفلسطيني بين الحين والاخر.
ومع بدء حرب الابادة الاسرائيلية على نساء واطفال غزة في شهر تشرين الاول الماضي تجلى الفشل الأممي بعجزه عن استصدار قرار في مجلس الامن الدولي بوقف اطلاق النار بسبب الفيتو الاميركي الداعم لإسرائيل فضلاً عن عجزه بإدانة الأخيرة على جرائمها التي خلفت اعداد غير مسبوقة من الشهداء والجرحى والمهجرين، فكان ذلك تكريس للهشاشة في أداء الامم المتحدة مع الحق الفلسطيني.
فقد انعكس الدعم الغربي لإسرائيل وعدوانها على قطاع غزة على عمل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الذي تهيمن عليه القوى الغربية، حيث تم تجيير هذا العمل لاستمرار العدوان وخدمة الأهداف الإسرائيلية بعيداً عن المبادئ الرئيسية في عمل الأمم المتحدة، وبالتالي أدى هذا الدعم الى ارتفاع الأصوات المنادية بإصلاح عمل منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بشكل خاص، بسبب هيمنة الدول الكبرى على عمل الأمم المتحدة وقراراتها المصيرية المهمة في مجلس الأمن الدولي.
وما دعوة كل من الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى إصلاح الأمم المتحدة ومجلس الأمن وتنويهه ان العالم أكبر من أن تتحكم بمستقبله (5) دول وأيضاً إشارة الرئيس التشيلي غابريل بوريتش ان العالم لم يعد كما كان عام 1945م ومطالبته بإصلاح هيكلي للأمم المتحدة الا تأكيداً لأهمية الاصلاح، وهو الشيء الذي اشار اليه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرتش صراحة بقوله أن سلطة مجلس الأمن ومصداقيته تقوضتا بسبب العجز على تنفيذ قرار وقف إطلاق النار الإنساني في غزة.
لا شك أن اليأس الفلسطيني من قدرة الشرعية الدولية على تحصيل حقوقهم المثبتة بقرارات الامم المتحدة رغم الزمن الطويل هو كان اسباب ما حصل في صبيحة السابع من تشرين الاول الماضي، وبالتالي فالإصلاح المنشود للمنظمة الدولية بشكل يحقق العدالة ويبعدها عن هيمنة الدول الكبرى في تحقيقها لأهداف ميثاقها سيكون هو الاساس في ثقة الشعوب المقهورة من دول العالم الثالث بها وبالتالي سيكون له الدور الكبير في الاستقرار والسلام الدوليين. ــ الدستور