الأخبار

فارس الحباشة : شركات التوصيل «دليفري»

فارس الحباشة : شركات التوصيل «دليفري»
أخبارنا :  

أسرع من الصوت، ولا تعرف من اين يخرجون وينبعثون، من بين الشقوق والادراج، وليسوا كائنات سحرية وفضائية، وانهم شباب يقودون دراجات نارية، ويوصلون طلبات الى زبائن. مهنة جديدة، واسمها «خدمة توصيل « وبالانجيلزي « ديلفري «، وجرب ان تشتري زجاجة ماء او باكيت شيبس او باكيت دخان او قادحة، وتدخل على الانترنت، وتتواصل مع تطبيق، وتشتري «اون لاين» ما تشاء، وفي اقل من دقائق، عصا سحرية تشق الطرقات على ظهر دراجة نارية، ويخرج منها شاب يقول : شبيك لبيك عبدك بين يدك.

خدمة التوصيل تنتشر بشكل كبير في الاردن، وخصوصا في عمان. ومنها ما هو حقيقي، ومنها ما هو مجرد عرط واستعراض استهلاكي.

فليس كل ما يطلب عبر خدمة التوصيل هو رهن الحاجة الملحة والضرورية للاسرة والافراد. وخدمة التوصل بدأت بالاكل والطعام، وتذكرون ايام كورونا، والحظر الشامل والجزئي، وقرارات الاغلاق، وبيانات ومراسيم الوباء، والاطلالات المسائية لوزراء كورونا، وحالة الرعب الصحي.

و في لحظتها اغتنمت شركات الوباء وتوابعه، وانقضت على سلوك الاردنيين التقليدي، وفتحت الابواب لخدمات التوصيل والدليفري و»اون لاين».. ودخل الاردنيون في دوامة استهلاك مفرط وتبذير، وادخلوا الى بيوتهم اطعمة غريبة عن المائدة الاردنية التقليدية.

و الفطور الصباحي الذي يعد من «مونة وحواضر» البيت اصبح قيد الطلب من شركات التوصيل والدليفري.. والمرأة اصبحت تتعاجز عن الوقوف في المطبخ، وتطلب من تطبيقات التوصيل وجبات وسندويشات سريعة ومعلبة وجاهزة. هووس، وحالة جنون اصابت اردنيين.. وصديق، يقول اولادي في منتصف الليل يطلبون وجبات شاورما وجاهز وسريع، ويقول احد الاولاد وزنه زاد في شهرين 20 كغم، ونسينا مذاق وطعم اكل ام الاولاد، ويقصد زوجته.

و فيما بعد انتقل هوس الاستهلاك الى شراء الملابس والعطور والمكياج والاكسسورات. وتم الاستغناء عن التسوق الكلاسيكي، وحد الهووس وصل الى شراء علب الدخان والكبريت وتوصيلها عبر طلبات.

من اوجه تطور ثقافة « ماركوتينغ « تقريب السلعة الى الزبون بشكل اسرع واسهل ومتنوع ومجنون. وانه نمط يعم العالم، ودول العالم تقريبا تحولت الى نمط تسوق بديل عن التعامل التقليدي.

و لكن، ما يجري في الاردن، وتحديدا بخصوص خدمة التوصيل يستحق التوقف والتأمل. شباب يسوقون دراجات نارية، وينتقلون بالازمات المرورية، ويحملون في حقائب وصناديق بضائع ومأكولات الى الزبائن المستهلكين.

و هذا ليس حالا اردنيا، بل هو عالمي، واليوم اينما ذهبت في ارجاء الكرة الارضية تلاحظ خدمات التوصيل عن بعد « اون لاين « والتجارة الالكترونية.

و ما اثار انتباهي واصدقاء ان خدمة التوصيل الاردنية تتميز في صفات وخصال غريبة وفريدة.. و اولها : ان سائق الدراجة النارية لا يتلزم بقانون السير. يقطع الاشارة حمراء، ويتجاوز بسرعة جنونية، ولا يقف على الاشارات المرورية، ولا يحترم قواعد المرور، ولا السرعة المحددة، ويركن الدراجة والسيارة باي مكان يشاء. و كم حادثة مرور وقعت في عمان وراءها سائق تطبيقات دليفري. وامس في شارع المدينة المنورة امام عيني سائق دراجة قطع الاشارة حمراء، وبسرعة جنونية، و كاد ان يتسبب في كارثة مرورية.

و ثانيا : ثمة عطف اجتماعي عام يلف علاقة الناس بموظفي الديلفري.. مسكين يريد ان يعيش، عبارة تتردد وسمعتها كثيرا.. وحتى في حوادث وقعت فان المتضررين يعفون عن المتسبب، ويتركونه وحاله دون فتح «كوركة» وتطبيق قانون السير. و علما ان السواد الاعظم من دراجات الدليفري غير مرخصة، وسائقوها لا يحملون شهادات سواقة.

وتسمع حججا كثيرة، انه يعيل عائلة وانه مسخمط، وانه يطلع لقمة عيشه من « فم الوحوش».. ومن هم الوحوش نحن ؟! لا ضير، ولا مانع من التعاطف.. ولكن، المتعاطفون الا يسألون انفسهم عندما يقع حادث ويموت رب اسرة، ويتحول اولاده الى ايتام ويحتاجون الى معيل ؟!

و عندما يسير سائق دراجة بسرعة جنونية ويقطع اشارة حمراء ولا يحترم قانون السير، فمن يتحمل المسؤولية وقتها ؟! و المتهور في السواقة سواء كان سائق دراجة او غيرها يقتل ارواحا ويدمر عوائل، ويحرم ناسا من حقهم بالحياة، ويسبب عاهات وعطب جسدي لشباب واطفال و عجائز.

و ثالثا : لا تنسوا ان هناك جهة مشغلة، وهي المسؤولة عن الواقع المأسوي. وسواء كانت شركة توصيل او شركات توزيع او محال تجارية او مطاعم، فانها في الاول والاخير تجني ارباحا من خدمة التوصيل.

و لا تنسوا ان الجهة المشغلة تجني ارباحا، وتضغط على موظفي التوصيل يعملون بسرعة جنونية وهستيرية لكي يرضوا «اصحاب العمل».

و يقاس راتب واجر عامل التوصيل الزهيد بما يقدم من خدمات توصيل وبيع «اون لاين «. و بعض الشركات تشغل سائقين بالسخرة، ولا يدفعون رواتب شهرية، وسائق الدراجة والسيارة يتقاضي بدل «اكرامية « من العميل والزبون.

و لذلك فان السائق يتهور ويسوق بجنون ويخاطر في حياته وحياة الاخرين، ولكي يجني دينارين واقل.

حياة الناس ليست للعبث والمغامرة.. واجد من الضروري تفعيل القانون وتطبيقه بصرامة على سائقي التوصيل.. وفي لحظة تجد ان التراخي في تطبيق القانون ليس عطفا ورحمة على السائقين بقدر ما يخدم شركات التوصيل الكبرى. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك