الأخبار

عبد الله كنعان : قراءة في مقال الأمير الحسن بن طلال.. «الاضحى بين الشعائر والمشاعر»

عبد الله كنعان : قراءة في مقال الأمير الحسن بن طلال.. «الاضحى بين الشعائر والمشاعر»
أخبارنا :  

يُشكل الفكر الانساني ظاهرة حضارية غايتها الأساسية تعزيز القيم الايجابية بما فيها من مفاهيم التعايش والتسامح والديمقراطية وكرامة وحقوق الانسان، من هنا كانت مسؤولية المفكر العالمي على وجه الخصوص حمله رسالة انسانية شاملة في محتوياتها الفكرية وجمهورها المستهدف، وصاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال حفظه الله وبكل موضوعية، هو مفكر انساني أممي في طروحه وأهتماماته، يعالج عبر مقالاته ومؤلفاته ونشاطاته الدولية المتنوعة كافة المحاور والموضوعات المعنية بالإنسان، وما يتصل به من مشكلات وتحديات، وقد شكلت اراء ومبادرات سموه منطلقاً لعمل الكثير من المؤسسات والأفراد الفاعلين في مجتمعاتهم.

ولأن الاحتفال بالأعياد الانسانية على اختلافها يُعد من المناسبات الهامة للأمم لما فيها من مشاعر ودروس مستلهمة، فقد تناول سمو الأمير الحسن في مقاله مؤخراً تحت عنوان (( الأضحى بين الشعائر والمشاعر))، المعاني والمضامين الروحية والمادية للعيد وما يقترن به من فريضة مقدسة هي الحج، ولأن الأمة الاسلامية هي البيئة الحاضنة لهذا العيد ويقع على عاتقها مسؤولية نشر قيمه السمحة لاسيما نخبة الأمة الثقافية ومنظريها، فقد أشار سموه لمرتكزات وروافع بُنيتها القائمة على التنوع المؤهل لرسالتها ودورها التنويري العالمي، وهي أنها أمة منفتحة على الملل تحترم معتقدات أهل الكتاب، وقد تبلورت هذه النظرة منذ اللحظة الأولى التي ترسخ فيها دستور الدولة المدنية (( وثيقة ودستور المدينة))، والذي برزت معه شخصية وهوية الأمة وركز على مبدأ التشاركية ونبذ كل عادة أو عُرف يضر بوحدة المجتمع مثل الثأر، وجعل مرجعية القضاء والفصل فيه لسيادة الشرع، الأمر الذي جعل منها أمة وسطا، وهذه الوسطية هي السمة الحضارية لأمتنا، ويحلل سموه مفهوم الوسطية بأبعادها العميقة، المتصلة بالموقع الجغرافي المتوسط بين قارات العالم وما يتيحه من استثمار الإمكانيات والصلات لتعزيز التنمية التي تتطلب في الوقت نفسه محاربة التجزئة والتفتيت، ويلفت سموه الانتباه إلى أن وسطية الكعبة المشرفة في صحن الحرم يوحي بوسطية الأمة أيضاً، لتكون بالمحصلة نموذجاً فريداً لغيرها من شعوب الأرض بنأيها عن الغلو والاستعلاء.

ونظراً لارتباط عيد الأضحى بطبيعة الحال بفريضة الحج ورحلة المسلمين العظيمة لبيت الله الحرام، فإن سموه يؤكد أن دروب الحج وما يتصل بها من دور اقتصادي وثقافي واجتماعي وديني، أفادت في انتشار الاسواق ونشطت التجارة بين المدن والمجتمعات، وساهمت في انعاش مسار درب الحرير( طريق الحرير العظيم)، والتي يسعى العالم اليوم لاعادة أحياء ثمراته الاقتصادية، وكما هي دروب الحج في نشرها لمعاني الصبر والتجرد والافتقار، فهناك دروب الأفكار الانسانية الساعية لطمأنينة وسعادة ورفاهية الشعوب والتقريب بينها، وعلى عظمة هذه المعاني وعميق دلالتها الا أن مشرقنا العربي الاسلامي يعيش كما يرى سموه حالة معقدة من صراع حول ماهية الثقافة وابرز صوره المعاصرة (الابادة الجماعية الثقافية)، تماماً كما يجري اليوم وأمام نظر العالم ضد أهلنا في فلسطين المحتلة خاصة في قطاع غزة المحتل من سعي الاحتلال الاسرائيلي لمحو الذاكرة والهوية المكانية بتغييب أهلها عبر قتلهم وتشريدهم، ويحرص سموه الاشارة الى ما يجري في مدينة القدس من اعتداءات وانتهاكات تتمثل كما يقول سموه:(( بتطويقها بالمستعمرات والكانتونات أو المعازل، واقتلاع أهلها وإحلال المهاجرين اليهود محلهم عبر استخدام قوانين مخصصة لهذه الغاية مثل "قانون الغائبين" و"قانون التنظيم والبناء"، مع تزايد عنف المستوطنين))، وهي جرائم بلاشك تسارع في محو هويتها العالمية المرتبطة بالسلام والتعايش المفترض، ولأن العدوان على غزة هاشم وما نتج عنه من ارتقاء الشهداء وسقوط الجرحى وتدمير شامل لكل مظاهر الحياة فيها، فلم تغب غزة والضفة الغربية وفلسطين كلها من البحر الى النهر عن بال سموه، داعياً الله تعالى أن يفرج الله الكرب عنها وأن يعم السلام العادل عليها ويتحقق الاستقرار والأمن في المنطقة والعالم.

وبالرغم من الواقع المأساوي والتحديات الني تعصف بأمتنا إلا أن سموه يؤكد على أن الأمل واليقين الثابت في قلوبنا هو أن الله تعالى سيبدل ما نعيشه من ابتلاء ومحن الى فرج قريب باذن الله، وهو امر مقترن ايضاً بفهم حقيقة ثابتة وراسخة وهو أن قوة أمتنا يكون في وحدتها ونبذها للخلافات والفرقة، فوحدة الامة منطلق كما يرى وينادي سموه بتأسيس مجلس إقليمي من المشرق إلى العالم، وهنا يجب التاكيد على أن طروح وأراء سموه وعبر عقود ذهبية من العطاء الهاشمي الاصيل والمخلص للعرش والوطن، تشكل جميعها منطلقات وأسس لفهم فكر الامير الحسن وبالتالي الاستفادة منها والبناء عليها، خاصة دعوات سموه بانشاء صندوق عالمي إنساني للزكاة لمحاربة الفقر والبطالة، وغيره من الافكار المعنية بقضايا حقوق الانسان واللاجئين والتغير المناخي والمياه والتعليم والتكنولوجيا والذكاء الصناعي وغيرها.

ان الوقوف على فكر الحسن بن طلال ودراسة ما تناوله من أفكار يحتاج لاكثر من مقال أو كتاب، ولكن محاولة الاضاءة على بعض جوانب هذا الفكر الهاشمي الثري أمر في غاية الاهمية لمن يريد البناء عليه والانطلاق منه بما يساهم في اتخاذ استراتيجيات وخطط تفيد في التنمية المستدامة من جهة، وفي ترسيخ حوار عالمي قائم على التسامح والكرامة والتقارب الانساني من جهة أخرى.

وأخيراً ندعو الله تعالى أن ينعم على سمو الأمير بالصحة والعافية وطول العمر وراحة البال ودوام العطاء في ظل قيادتنا الهاشمية. ــ الراي

أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس

مواضيع قد تهمك