الأخبار

د. عامر السبايلة : من حرب إلى أخرى جبهات متشابكة وتحديات مستمرة

د. عامر السبايلة : من حرب إلى أخرى جبهات متشابكة وتحديات مستمرة
أخبارنا :  

مع بدء الحديث الإسرائيلي عن قرب انتهاء العمليات العسكرية في غزة خلال الأسابيع الثلاثة القادمة، يُفتح باب النقاش مجدداً حول مرحلة ما بعد الحرب، وإدارة القطاع والإشراف على عمليات الإغاثة الإنسانية وإعادة الإعمار.

بالرغم من إصرار حكومة نتنياهو على رفض أي دور يمكن أن يُناط بحركتي حماس وفتح في مرحلة ما بعد الحرب، فإن الواقع العملي يجعل من الصعب التعامل مع المستقبل دون فرض حلول عملية. من هنا يمكن قراءة المناورة الإسرائيلية في الحديث عن قبول إسرائيل لقوات عربية في غزة على أنها جزء من عملية إلقاء الكرة في الملعب الدولي والعربي، باعتبار أن انتهاء الحرب يفرض واقعاً يستدعي وجود قوات على الأرض تحت شعار فرض الاستقرار والتأسيس لعمليات الإغاثة وتثبيت الإدارة المدنية.

هذا التصور الإسرائيلي ليس جديداً؛ ففي الشهور الأولى من الحرب، كان هذا الطرح يتردد بقوة في الأروقة الدبلوماسية. على خلاف فكرة وجود قوات أممية لفرض الاستقرار، تم تسويق فكرة أن إسرائيل لا تمانع بوجود قوات عربية تحظى بمظلة أممية، وخاصة من الدول التي تجمعها معها اتفاقيات سلام ويمكن التنسيق معها بسهولة.

بالرغم من تعقيدات هذه الفكرة وصعوبة تطبيقها على الأرض، فإن استراتيجية إسرائيل في تغييب الحلول تهدف إلى فرض سياسة الأمر الواقع والتكيف مع الحلول العملية. فالسياسة الإسرائيلية في غزة، من تدمير البنية التحتية إلى تعميق الأزمة الإنسانية، جعلت مسألة «تدويل غزة» أمراً حتمياً، كما ظهر جلياً في الجانب الإنساني وعملية الإغاثة الإنسانية للقطاع، والتي لا يمكن أن تتوقف عند الجانب الإنساني فقط، بل تشمل إدارة القطاع بشكل عام وإعادة إعمارها.

وإذا اتفقنا أن مرحلة ما بعد أي صراع تستدعي فرض الاستقرار بوجود قوات دولية لحفظ السلام، فهذا يؤكد أن هذه الدول قد تجد نفسها مضطرة تحت مظلة دولية للتواجد على الأرض، باعتبار أن الإسرائيلي يقبل فقط بهذه القوات. وهو ما يتوافق مع رغبة الإسرائيلي في فرض سياسة الأمر الواقع لتطبيق حلول عملية.

لكن في الوقت الذي ترغب فيه إسرائيل بالحفاظ على اليد العليا في موضوع السيطرة على الحدود والمعابر وضمان عمليات التدخل السريع، فإن الدول المرشحة للقيام بهذه المهمة قد تواجه واقعاً مكلفاً جداً. فرض الاستقرار بأي شكل قد يؤدي إلى صدام مع القوى الموجودة على الأرض ومع حماس نفسها، مما يجعل طبيعة الوضع العام مبهمة ومليئة بالمخاطر.

بدأ الحديث الإسرائيلي عن انحسار العمليات العسكرية في غزة ضمن الثلاثة أسابيع القادمة، مما نقل الاهتمام التدريجي نحو جبهة لبنان. التصعيد السريع الحاصل هناك اليوم يُعتبر استحقاقاً طبيعياً لمسألة «تأمين الجغرافيا» التي بدأت إسرائيل الحرب في غزة على أساسها. فعلياً، قد لا ترغب إسرائيل في تصعيد عسكري كبير مع حزب الله، ويمكن اعتبار أيضاً أن الاستعداد للحرب لا يعني الرغبة بها، بل تحقيق أهدافها دون خوضها. التكتيكات الإسرائيلية اليوم تهدف إلى دفع حزب الله للانسحاب من مواقعه في جنوب لبنان ودفعه باتجاه شمال نهر الليطاني. وبالتالي، فإن الهدف المباشر للحكومة الإسرائيلية هو الحد من التهديد القادم من الشمال، وإنشاء منطقة عازلة، وإعادة المدنيين الذين تم إجلاؤهم تدريجياً.

لكن في ظل مناخات الحرب القائمة، تبقى احتمالية الانزلاق نحو المواجهة عالية جداً. التصعيد الكبير الحاصل اليوم قد لا يضمن الحصول على التنازلات على الجبهة اللبنانية دون وقوع المواجهة. وبالتالي، فإن مناخات الحرب السائدة في المنطقة قد تدفع إسرائيل أيضاً باتجاه السعي لضرب البنية التحتية لحزب الله كجزء من استراتيجية الردع طويلة الأمد، والتركيز على تجريد حزب الله من أي حواضن مجتمعية في الداخل اللبناني وتحويله إلى المسبب الرئيسي للمأساة اللبنانية، وبالتالي نقل الخلاف إلى الداخل اللبناني وشرعنة الحديث عن مسألة تحويل الحزب إلى حزب سياسي لا عسكري. ــ الراي

مواضيع قد تهمك