الأخبار

محمد حسن التل : في ظلال مذكرات الرئيس ..

محمد حسن التل :  في ظلال مذكرات الرئيس ..
أخبارنا :  

يبدأ ‏الدكتور عبد الرؤوف الروابدة رئيس الوزراء الأسبق وصاحب المناصب المتعددة في الدولة على امتداد أكثر من خمسين عاما سرد مذكراته بأسلوب روائي رائع ، والتي شرفني بالاطلاع عليها قبل طباعتها بشكل غير رسمي ، بالحديث عن البيئة التي نشأ فيها حيث ترعرع في ظروف غاية في القسوة وليس بالصعوبة فقط ، ويثبت أن إرادة الإنسان إذا تحققت تتغلب على كل الظروف مهما كانت ومهما كان يراها صعبة وربما مستحيلة.

لا يحق لي أن أدخل في تفاصيل المذكرات لأنها كما أشرت لا زالت "مخطوط" ولكني سأتحدث في ظلال بعض فصولها حيث يتطرق الرئيس فيها إلى نقاط مفصلية وأحداث هامة في تاريخ الأردن منذ منتصف القرن الماضي ، وكيف استطاع الأردن بإذن الله تعالى أولا وأخيرا ثم بإرادة قيادته وبرجاله الذين آمنوا به أن يواجه كل التحديات ‏ومحاربة الاستقواء على الدولة في سبعينيات القرن الماضي بدعم من أنظمة عربية بأسلوب علمي محايد ، ومن منطلق وحس وطني وحرص كبير على تبيان الحقيقة للأجيال التي تسمع وتقرأ عن تلك المرحلة وربما أحيانا بصورة مشوهة منافية للحقيقة..

ما يميز مذكرات الرئيس أنها تنتقل بك بين جنباتها بطريقة تجعلك تلتهم صفحاتها خلال 24 ساعة وتعود لقرائتها مرة أخرى بتمعن وتفكر عميق ، حيث تتداخل أبوابها بشكل فني كبير وليس بسرد تاريخي ممل ، فتكون تقرأ عن مرحلة سياسية لتنتقل بك لربط هذه الأحداث بأحداث اجتماعية رافقت تلك المرحلة لتزيد القارئ تشويقا ليس فقط لمتعة الاطلاع على أحداث تلك المرحلة ،يثبت الرئيس الروابدة في مذكراته أن التدرج في المسوؤلية يكون في أمرين ، الأول مثابرة الرجال وعنادهم يوصلهم إلى ما يريدون ، والثاني عندما تكون العدالة هي المسيطرة على الصورة فإن النتائج تكون مرضية.. رغم أن الرجل تعرض بحياته لمواقف عديدة ظلم بها نتيجة الحسد والغيرة لكنه ظل قابضا على جمر الصبر والمثابرة نحو الهدف الذي يريد متسلحا بنظافة اليد وعبقرية الإنجاز في كل مرحلة من مراحل الوظيفة العامة ، ناهيك عن حرصه الكبير أن يكون منفتحا على كل طبقات المجتمع الذي أحبه ووثق به وأوصله إلى مجلس النواب مرات عديدة الذي كان بالنسبة له هدفا منذ شبابه..

مذكرات الرئيس لا تخلو من نفس حزن في بعض الجوانب سواء على المستوى الشخصي أو العام نتيجة ظروف واحداث متنوعة ، يلحظ القارئ لصفحات مخطوط المذكرات أن الرئيس عشق العمل في أمانة العاصمة أكثر من أي منصب تولاه والتي تحولت إلى أمانة عمان الكبرى وكان أول أمين لها..

يتحدث الرئيس عن "المعارك" التي خاضها في مجلس النواب مع أصدقائه أو بالأحرى حلفائه ضد كثير من القوانين والقرارات التي كانت بعض الحكومات تحاول تمريرها من خلال المجلس فيشعرك كم كانت مجالس النواب في تلك الفترة فاعلة ويجلس على مقاعدها سياسيون كبار يتقنون لعبة السياسة تحت قبة البرلمان ، وكم تراجعت الحياة البرلمانية لدينا في هذا الزمن ..

في حديثه عن فترة رئاسة الحكومة يكشف الرئيس الروابدة عن أحداث كثيرة حدثت في تلك المرحلة ويوضح كثير من مواقفه اتجاه قضايا متعددة ربما تكون غائبة عن الناس أو ساء فهمها..

تمتع الدكتور الروابدة بعلاقات دولية واسعة خصوصا على المستوى العربي فكان محط احترام وتقدير في تلك الدول التي كانت تستشيرة في كثير من قضاياها لما يتمتع به من خبرة إدارية وسياسية متراكمة وعميقة..

سأتوقف هنا بالحديث عن بعض ظلال المذكرات خشية أن أنفعل فأدخل في التفاصل وهذا ليس من حقي كما ذكرت..

سيرى الأردنيون عندما تصدر هذه المذكرات إضافة إلى عبقرية الكتابة تلك العبقرية في التحدي والصبر والجلد في صنع الرجال الذين يحتلون ركنا أساسيا في الضمير والتاريخ الوطني.. انتظروها فإنا منتظرون . ــ الدستور


 



مواضيع قد تهمك