الأخبار

علي البلاونة : الأمن الوطني والملاذات الآمنة

علي البلاونة : الأمن الوطني والملاذات الآمنة
أخبارنا :  

لا أحد عاقل في الأردن، يمكن أن يختلف معك بقضية وأهمية الأمن الوطني، مهما كانت طبيعة الاختلافات، فهناك عقيدة وطنية راسخة بأهمية الأمن والاستقرار للجميع، وهي ثقافة ترسخت لعقود وسنين طويلة، وأنها منجز وطني، يسعى الجميع لتأكيده وتحقيقه، وأن الخلاف لا يفسد للود قضية في هذا المجال.

أن التأكيد بأن الأمن الوطني خط أحمر تدفع بنا المختصين في الشؤون السياسية والأمنية، للقول بأن الأمن ليس من مهمة الأجهزة الأمنية فقط، بل الأمن عملية شاملة ومتكاملة، وتضاعف ذلك مع التطورات العصرية والتقنية الحديثة، والأمن هو مهمة المجتمع والمؤسسات الأهلية الوسيطة التي تسعى لبقاءه قويا صلبا وحصينا.

والأمن الذي ننظر اليه شمولي ثقافي واقتصادي، لأن التطرف والعنف والإرهاب يعيش على التوترات والتناقضات وعلى ترجع الدول ومؤسساتها، وكلما تعزز الأمن الاقتصادي والإجتماعي، تعزز الأمن السياسي، ولكن في السنوات الأخيرة، تغيرت القيم بسبب العوامل الاقتصادية، وبدأت لهجة وسلوكات الاستغلال والمنفعة قائمة، ومع ذلك كله تظل القوة الحية والقائدة في المجتمع هي القوة التي تقود قطار الاستقرار، وتعمل على تعظيم فوائده.

في ظل بيئة أمنية إقليمية ومجاورة قلقة وواهنة وخروج عن السيطرة والانضباطية، وتعظيم لدور الميليشيات والأحزاب المسلحة، فان ذلك مؤشر أن هذه الحالات لا ترغب ولا تؤمن بمشروع الدولة في بلدانها، ولا في محيطها، لا بل وتعمل جل جهدها دعم عمليات إختطاف الدولة في البيئات المجاور، وبدلا من أن تحتكر الدولة إنفاذ القانون والسلاح، تصبح هذه التنظيمات دولة داخل الدولة، ويتأثر في ذلك ميزان العدالة والتوازن الاجتماعي العام.

لقد جرب الأردن في مرحلة من تاريخه السياسي، حالات مماثلة، كادت أن تعصف بأمنه وإستقراره الوطني، وأن تشق صفوف وحدته الداخلية، وتعزز الفوضى والصراعات والحروب، وقد إستغلت دول وبعثات دبلوماسية الأوضاع تلك للتدخل في شؤونه ولإبتزازه في قراراته، ولكن مرتكز القوة الداخلي، كان متمثلا بقدرة النظام السياسي في بناء الإجماع الوطني، قوة مؤسسات الدولة الصلبة، القدرة في إرساء قواعد العلاقات الداخلية، وتعزيز سيادة ومظلة القانون.

اليوم المشكلات الأمنية متعددة ومتنوعة ومتشابكة مع بعضها البعض داخليا وخارجيا، وهذا يحتاج مزيدا من الوعي، ومزيدا من الشفافية والوضوح، ومزيدا من التعاون بين الدولة ومؤسساتها والمجتمع ومؤسساته المدنية والأهلية، ومن بين المشكلات التي تواجهنا الأرهاب وتجارة المخدرات والسلاح والفقر والبطالة، وتراجع حاد في منظومة التربية والقيم، وسطوة وتأثير وسائل التواصل ببعدها السلبي، وقصور الرؤى والتحرك بإنفعال وإستعجال دون تقييم مسبق.

بعض هذه الظواهر لا تخص الأردن وحده، وهي عامة بطبيعتها، لكن الإختلاف أن بعض الدول لديها الإمكانات والقدرات للتصرف، وللمواجهة، بينما الدول ذات الإمكانات الضعيفة يمكنها تجاوز هذه الظروف بمزيد من الشفافية والديناميكة، من خلال بناء شبكات إجتماعية – إقتصادية وثقافية، تحول دون تراجع قوة وحصانة المجتمع.

في العادة تفرض الظروف نفسها على المجتمعات، لتحصين نفسها من الضغوط الخارجية، وتبدأ من النظر في إقتصادات الأفراح والأتراح، والسوق الخاصة بهذه المناسبات، ومنها الآليات العشائرية للحماية من الصدمات والتي ورغم أهميتها إلا أنها مكلفة أحيانا، فكثير من القضايا يجب أن تكون خاضعة للسلطة المؤسسية والقانونية وأن المهمة الاجتماعية تكون مساعدا ومساندا الى جانب الجهات التنفيذية .

ان ما تقوم به أجهزة الحماية الوطنية معقد ومتشابك، ولهذا مهمتهم جليلة وصعبة وتحتاج دقة وتركيز، ونظرا لطبيعة الحياة اليوم وتخصصيتها، فإن هذه الأجهزة تحتاج المزيد من التركيز، وعدم الإستنزاف والإغراق في قضايا محلية، وعليه فإن بناء الشبكات الاجتماعية بالتعاون والبلديات والجمعيات الخيرية والأندية والمدارس والمساجد، من الممكن أن تعزز منظومة الحصانة الوطنية والداخلية.

التكاملية في تعزيز الأمن والإستقرار من خلال دعم قيم الحصانة والتعاون والتسامح والإنتاج والانجاز والبر، هي الخط الدفاعي الرئيسي عن الدولة والمجتمع، وهي بذلك تكون الداعم الرئيس لكافة الأجهزة التي جزء هام من المجتمع، لكنها مؤسسات متخصصة تحتكر شرعية الحماية الوطنية للمجتمع وأفراده والمقيمين فيه، وتعمل بإستمرار وبوعي وتنبه إستباقي للحيلولة دون ترويع مواطنيه أو المساس بأمنهم.

الإرهاب العابر للحدود على إختلافه، يهدد أمن الجميع بلا إستثناء، ولا يمكن مواجهته بالإعتماد على أجهزة إنفاذ القانون والأنظمة والأجهزة الإستباقية، بل إن المواجهة الحقيقية تكون في حرمانه من إنشاء وتكوين ملاذات آمنة، مستغلا حاجة البعض، أو القصور الفكري لآخرين، بحجج واهية حول دعم المقاومة، ونحن نعلم بأن مخططاتهم الرئيسة هي ضرب أمننا وإستقرارنا الداخلي.

الخط الأحمر الحقيقي لا يكون فقط بالتصريحات والإعلانات، وإنما الخط الأحمر الحقيقي يكون بأن يساهم المجتمع ومؤسساته في حرمان التنظيمات الإرهابية التي تسعى لتقويض إستقراره من الدخول أو الكمون أو شراء الذمم الرخيصة، أو أصحاب الأيديولوجيات الموتورة لتنظيمات حزبية أو ميليشيات لا تعرف معنى وأهمية الدولة وتدعم تجاوزها، وتبرر ذلك أحيانا بتبريرات غير منطقية من خلال لي أعناق الفتوى الشرعية وتطويعها لخدمة مآربها الخطيرة والقذرة. ـ الدستور

مواضيع قد تهمك