الأخبار

نشميات «غزة/ 2» : قدمنا الأفضل للأشقاء بالقطاع .. كنا جزءًا من رسالة الأردن الإنسانية تجاه الأهل

نشميات «غزة 2» : قدمنا الأفضل للأشقاء بالقطاع .. كنا جزءًا من رسالة الأردن الإنسانية تجاه الأهل
أخبارنا :  

نيفين عبدالهادي

مهما اختلفت الكلمات عن تجربة استمرت (110) أيام، تلتقي في مجملها عند نقطة واحدة أن 14 نشمية من ممرضات الخدمات الطبية الملكية سعين بكل حبّ وعزيمة وقوّة ليكن جزءا من رسالة الأردن لمدّ يد العون والمساعدة لأهلنا في غزة، فعملن على مدى هذه الأيام التي قاربت الأربعة أشهر دون راحة ودون إجازات ودون أن تغمض لهن جفن يسهرن على تقديم خدمات صحية وطبية في فترة هي الأصعب والأكثر خطورة في الحرب على الأهل في غزة.

بين ذهاب نشميات مستشفى ميداني غزة/2 في خان يونس إلى غزة، وعودتهن لأرض الوطن قصص عطاء تؤكد أن الأردن الذي لم يبق مجالا إلاّ وقدّم به العون والمساعدة لأهلنا في غزة، أرسل نشميات من القوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي، ليقفن كما زملائهن نشامى القوات المسلحة يدا بيد لمعالجة بنات وأبناء غزة، بحبّ وعطاء جعل منهن يقتربن من مئات الأطفال حدّ الشعور بروح الأسرة الواحدة، بين الذهاب والإياب تفاصيل عظيمة كما هو الأردن دوما سندا للأهل في غزة، وعونا لهم.

منذ بدء الحرب على أهلنا في غزة، والأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني يسعى لتقديم العون الإنساني والإغاثي والغذائي بكافة الوسائل، وكان الأردن أول دولة تنشئ مستشفى ميدانيا خلال الفترة الأكثر خطورة من الحرب، فأنشأ بتوجيهات ملكية مستشفى ميدانيا ثانيا في منطقة خان يونس، بجهود خارقة من القوات المسلحة- الجيش العربي، وبحضور بات جزءا هاما من حياة الغزيين الذين يؤكدون أن الأردن بلد النشامى، وبقوا على العهد في الضرّاء التي يعيشون، ليكون «ميداني غزة/2» جزءا من العون الأردني الذي أعان غزة وأطفالها ونساءها وحتى المستشفيات التي كانت تطلب عونا كاستقباله مئات حالات «الخداج».

وفي خطوة أردنية تؤكد الحرص الكامل لدعم أهلنا في غزة، تضمن أول فريق طبي لميداني خان يونس (14) ممرضة من نشميات الخدمات الطبية الملكية، وكان لذلك الأثر الكبير على نفوس الأهل في غزة، تحديدا النساء والأطفال، حيث أغلب المرضى والجرحى من النساء يطلبن أن تشرف على علاجهن سيدات وليس رجالا، فكانت نشميات الأردن يقمن بهذا الدور الإنساني بكل مهارة وأخوة، وحبّ، وعطاء لم يتوقف على مدى 110 أيام، سجل خلالها ميداني غزة/ 2 آلاف المراجعات وحالات العلاج والعمليات، إضافة لآلاف قصص الشكر وحالات العرفان.

جريدة «الدستور» التي تسعى لمتابعة الجهود الأردنية بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني في تقديم العون والسند لأهلنا في غزة، بقراءات واقعية لهذه الجهود، انفردت بإجراء سلسلة لقاءات مع النشميات اللاتي شاركن في مستشفى ميداني خان يونس، لمعرفة تفاصيل مشاركتهن في هذه المهمة، والأدوار الطبية الإنسانية التي قدمنها، وأبرز القصص الإنسانية التي مررن بها، في عملهن الطبي الميداني والإضافة النوعية لجانب اخوانهن من الشباب الأطباء والممرضين، لنستمع وتكون أول صحيفة ووسيلة إعلامية تحاورهن في لقاءات نشرت تباعا.

الحديث مع نشميات «ميداني غزة/2 « يأخذ للمدينة الفاضلة بحرفيّة التفاصيل، يملأ النفس بالفخر أننا نتحدث مع نشمية أردنية من الخدمات الطبية الملكية، وعن تجربة هامة وثرية وإنسانية وطبية لا تشبه أي عمل طبي إنساني، ينقلن صورة غزة وصمودها بقلوب أردنية تنبض بحبّ فلسطين وغزة، يتحدثن عن أطفال ارتبطن بهم بكل حبّ، ويأملن الاطمئنان عليهم، تحديدا ممن استشهد أحد والديه، أو فقد أسرته كاملة، أو لم تتمكن أسرته من الوصول إليه.

وتروي نشميات ميداني خان يونس لـ»الدستور» قصص أطفال لجأوا للمستشفى وأصبحوا جزءا من قلوبهن، قدمن لهم خدمات طبية، وباتوا يحضرون للمستشفى للاطمئنان عليهن، تحديدا كلما تعرضت منطقة المستشفى لقصف، يذكروهم بالاسم، وبالحالات الصحية التي جاءوا بها، وكيف غادروا، فيما تؤكد نشميات الأردن أنهن على استعداد للعودة لغزة لتقديم المزيد من العون الصحي والطبي، كيف لا وهن أول سيدات يدخلن غزة وقت الحرب، هن نشميات القوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي.

الرائد نهال الخطيب

الممرضة القانونية الرائد نهال مصطفى الخطيب الأم لطفل وطفلة ، قالت : تجربة رائعة ومميزة جدا، وأدعو الله أن نحظى بأجر ما قدمناه خلال أيام هي الأجمل في حياتي المهنية والإنسانية، رغم الخطورة بها، لكنها تجربة رائعة قدمنا واجبنا رغم الخوف، ووسط ظروف خطيرة، لكنها أيام قدمنا بها جهودا لم تتوقف لمساعدة أهلنا في غزة.

وأكدت الرائد الخطيب أن هناك عشرات الأطفال تأمل لو تعرف أوضاعهم الآن، سيما وأن منهم ناج وحيد من عائلته، ومنهم من أستشهد أحد أفراد أسرته، وآخرون من اضطرت أسرته للنزوح وبات صعبا أن يصلوا لهم، فلأطفال غزة قصص مزدحمة بالمآسي، فكم أتمنى لو أعرف ما حلّ بالكثير من أطفال الخداج الذين مكث عدد منهم في المستشفى أكثر من شهر.

ما زلت أذكر جيدا ، تضيف الرائد الخطيب ، طفلة بعمر التسع سنوات ذكرتني بابنتي فرّغت بتعاملي معها شعور الأمومة والشوق لأبنتي ، والدها جاء للمستشفى مصابا، الطفلة رائعة وحنونة هي أيضا مصابة وأصبح وضعها الصحي جيدا، كم أتمنى لو أعرف ماذا حلّ بها الآن، سيما وأن باقي أسرتها نزحت إلى رفح.

وبينت الرائد الخطيب ان المستشفى الميداني / 2 كان متكاملا وبه كل التخصصات، وأنا عملت بكافة هذه التخصصات وفقا للحاجة لنا، ذلك أن المراجعات من السيدات كنّ يطلبن التعامل مع سيدة وليس ممرضا أو طبيبا، ولم أعمل فقط في قسم الطوارئ، وبالطبع عملت في قسم الخداج الذي بقي الوحيد في غزة يقدم ما يلزم لاطفال الخداج، وكان يشكّل أهمية كبرى لأهل غزة، كان بين فريق المستشفى ذكور واناث تعاونوا كثيرا للخروج بأفضل خدمات لأهلنا في غزة، كل شخص منا يقوم بعدة أدوار دون توقف.

وعن أبرز الحالات التي استقبلها المستشفى قالت الرائد الخطيب ، الحالات خطيرة جدا وسيئة فهناك إصابات بليغة بالدماغ والحروق الخطيرة جدا والأشلاء التي تصلنا، والكسور، وتعاملنا مع حالات منحنا الله قوّة ومقدرة لنتعامل معها هي من رب العالمين، هي تجربة عظيمة مضينا بها في درب الأردن على تقديم العون والسند لأهلنا في غزة، وعشنا أياما أصبحنا بها جزءا من حياة من حولنا في غزة يقدمون الشكر للأردن بقيادة جلالة الملك كل يوم والعرفان بما قدم الأردن ويقدّم لهم.

النقيب أريج الشعار

من جانبها، قالت طبيب الصحة النقيب أريج صالح الشعار وهي الطبيبة الوحيدة التي رافقت فريق المستشفى الميداني غزة/ 2، الوضع كله صعب تحديدا النفسي، عشنا عمق المأساة هم شعب فقد كل شيء، وأغلبهم نازحون نزحوا دون طعام ولا شراب ولا يملكون أي شيء من مقومات الحياة الطبيعية، يعيشون ظروفا قاسية جدا، ظروف حرب سيئة جدا.

وأضافت النقيب الشعار ، الحمد الله منحنا الله قوة وصبرا وقدرة على تقديم العون لهم والمساعدة، وقد عملنا على مدار الساعة دون توقف لتقديم كل ما من شأنه عونهم صحيا وطبيا، وكنا نقابل ذلك بالشكر والعرفان سيما وأن كافة الحالات التي كانت تصلنا حرجة وتحتاج تدخلا جراحيا، إضافة للحروق والأشلاء، بشكل عام جميعها إصابات خطيرة.

وأشارت النقيب الشعار إلى أن طبيب العظام في المستشفى عمل على إجراء آلاف العمليات، مبينة أن ما قام به من عمليات يُعادل أكثر من نصف خدمته، مبينة وجود إصابات كثيرة تركت اعاقات مستدامة لا يمكن علاجها، فهناك آلاف الحالات من الاعاقات المستدامة أصابت أطفالا ونساء وكبار سن وشبابا.

ولفتت الدكتورة الشعار إلى وجود حالات كثيرة من السرطانات وهم من المرضى الذين يعانون كثيرا، نتيجة لعدم توفر العلاج المناسب لهم، ومنهم من يحتاج عمليات وآخرون علاجا كيماويا أو اشعاعيا، هؤلاء من المرضى المظلومين جدا في غزة ولا يوجد مستشفيات تقدّم لهم ما يحتاجون، وفي ميداني خان يونس وحتى أغلب المستشفيات تقدّم لهم الخدمة الأولية وتخفيف الألم، وبشكل عام هم فئة مظلومة وتعاني كثيرا.

وعن الحالات التي استقبلها كذلك ميدان خان يونس حالات نزيف وكسور وبتر، وقد أجرى نشامى المستشفى مئات العمليات النوعية، من بينها استئصال ورم على مبيض سيدة حجمه (18) سنتمترا وهو يعدّ كبيرا، وبقيت على قيد الحياة وغادرت المستشفى بصحة ممتازة.

وقالت الدكتورة الشعار إن أهالي غزة قابلوا الجهود الأردنية بكل شكر وعرفان ، كنا نشعر أننا بين عائلاتنا وأسرنا، دعوات الأهالي والمواطنين الغزيين كانت زادنا خلال تلك الأيام، التي عملنا بها بكل حبّ، سيما وأننا كنا نتعامل مع الأطفال أغلب الوقت ، هو شعب طيب وجبّار، وكان مجرد وجودنا يمنح الناس ثقة بأن القادم يحمل لهم فرجا، ونحن بدورنا عملنا من منطلق واجبنا الوطني لهذا الشعب الجبّار.

وعن الحالات التي تتنمى الاطمئنان عليها قالت د. الشعار وصل قسم الخداج توأم أتمنى أن أطمئن عليهما، فقد مكثا في المستشفى 4 أشهر، وعند سفرنا سلمناهما لمستشفى ناصر، نظرا لعدم تمكن اهلهما من الوصول لهما، كم أتمنى معرفة فيما إذا وصلا لأهلهما وكيف وضعهما الصحي الآن.

النقيب إلهام المحاسنة

وقالت الممرضة القانونية النقيب إلهام إسماعيل المحاسنة ، تجربتي كباقي زميلاتي لم تكن سهلة، وصعبة في تفاصيل كثيرة، فنحن عشنا أياما وتفاصيل لم نعتد عليها يوما، نحمد الله على نعمة الأمن والسلام التي ننعم بها في الأردن، لكنني ذهبت لهذا الواجب بكل حبّ وبروح مليئة بقوة وإصرار على تقديم الخدمات الصحية والطبية اللازمة لأهلنا في غزة، ذهبت برغبة عالية مني.

وأضافت النقيب المحاسنة ، الأوضاع سيئة جدا في غزة، وكانت تصلنا حالات تحديدا الخاصة بالأطفال خطيرة جدا، تدمى لها القلوب قبل العيون، حالات حروق نشتم رائحتها عن بُعد، وحالات بتر، وكسور، وأشلاء، والمؤلم أن كثيرا من الأطفال الذين نستقبلهم استشهد أحد والديهم، أو فقدوا أسرهم بالكامل، أو نزحت عائلاتهم ومن الصعب أن يعودوا لأسرهم، وكثيرا من الأطفال بقوا في قسم الخداج ولم يأت أحد من أسرهم لأخذهم، ناهيك عن أصوات القصف التي لا تهدأ، ما يزيد الخوف والقلق، لكن رسالتنا حتما أكبر من أي صعوبات فنحن سعينا بكل ما أوتينا من حبّ تقديم خدمات صحية وطبية لأهلنا في غزة تحديدا الأطفال والنساء اللاتي كنّ أغلبهن يطلبن أن يتم التعامل مع نساء في الميداني.

وعن وضع أسرتها خلال تواجدها في غزة، قالت النقيب المحاسنة، وضع أسرتي كان صعبا جدا حتى أنهم في فترات لم يتوقعوا عودتي، نظرا لخطورة الحرب والأحداث، وضعهم النفسي كان سيئا جدا، سيما وان فترات مرّت لم يكن خلالها أي وسيلة للتواصل والاتصال بهم، كانت قاسية جدا، وكنّا في هذه الأثناء نقدّم كافة الخدمات الطبية والصحية اللازمة لأهلنا في غزة.

النقيب فداء الربطة

بدورها، قالت الممرضة النقيب فداء محمود الربطة أم لطفلة وطفل، تجربة ليست سهلة لكنها رائعة جدا، عشنا أياما من الخوف لكن لم نكن نترك لأنفسنا حرية الخوف، فنحن كنّا نأخذ قوتنا من بعضنا البعض، اناثا وذكورا، لم نسمح لأنفسنا أن نخاف أكثر من ساعات، ربما عندما نسمع القصف القريب، لكننا كنّا نقوي بعضنا البعض، فقد ربطتنا علاقة قوية وجمعتنا وحدة الضمير وضرورة أداء رسالتنا على أكمل وجه، استمرارا للنهج الأردني في خدمة أهلنا في غزة.

وأشارت النقيب الربطة إلى أن تعاونا كبيرا كان بين فريق المستشفى الميداني من نشميات ونشامى في تقديم الأفضل لأهلنا في غزة، بمهنية عالية، وكنا نسمع كلمات الشكر والعرفان بجهودنا بشكل دائم، والدعوات لجلالة الملك عبد الله الثاني والأردن.

وعن الحالات التي كان يستقبلها ميداني خان يونس قالت النقيب الربطة ، مئات الحالات استقبلها المستشفى، وجميعها سيئة جدا، تحديدا في قسم الخداج حيث استقبلنا أطفالا آباءهم شهداء وليس لهم عائلات، وغير معروفين، وأذكر أن توأما وصل المستشفى ومكث به ثلاثة أشهر، وغادرنا دون معرفة أهلهما، ولم يتمكن أحد من الوصول لاستلامهما، ليتني أعرف ما حدث معهما الآن، فقد سلمناهما لمستشفى ناصر.

وبينت النقيب الربطة أن أغلب حالات الخداج كان يستقبلها الميداني عن طريق تحويل من مستشفيات أخرى أكثرها مستشفى ناصر، الذي لا تتوفر به أي معدات ولا كوادر طبية كافية، ونحن كنا نستقبل الحالات وعند مغادرتهم المستشفى نقدّم للأم كافة مستلزمات الطفل من غيار وحليب وكنا نخبرها في حال انتهت هذه المستلزمات تراجعنا ونقدّم لها المزيد منها.

ومن الحالات التي أفكر بها باستمرار أحد الأطفال الذي وصل بحروق خطيرة وكسور مع خالته بعدما استشهد كافة أفراد أسرته، واستمر طبيب التجميل في ميدان خان يونس معهما حتى تمكنا من العودة لممارسة حياتهما بشكل طبيعي من حركة ومشي وتغيير ملابسهما فقد كان يجلس معهما يوميا أكثر من ساعة ونصف علاج وقدرة على العودة للحياة الطبيعية، وهذا الطفل كان يناديني في المستشفى بقوله «وين صاحبيتي» وإذا غبت عنه ينادي بأعلى صوته حتى أن زميلاتي كنّ يقلن لي «صاحبيتي» يناديك، عرفناه جميعا بهذه الكلمة الإنسانية الرائعة.

ظروف صعبة، تقول الربطة ، وبنفس الوقت هناك طمأنينة عالية في قلبي، ربما طاقة المكان تعطينا قوة لا نعرف سببها، حيث كانت أسرتي «تخاف علي جدا»، تحديدا أطفالي الذين كانوا يضعون ورقة ويمسحون كل يوم ينتهي وأنا في غزة، يحسبون ما بقي لي من أيام، ووالدتي كانت تعيش خوفا دائما علي، في حين والدي وهو محارب قديم كان سعيدا وداعما لما أقوم به، وكذلك زوجي الذي وافق فور طلبي منه الذهاب لغزة، أيام ليست سهلة ، كنت أتحدث معهم الفجر عندما أجد شبكة اتصال.

لم أندم مطلقا على ذهابي ، تؤكد النقيب الربطة ، بل على العكس لو طلب مني أذهب لغزة مرة أخرى سأذهب على الفور.

الملازم هبة الله داوود

من جانبها، قالت الممرضة قانونية الملازم هبة الله محمود داوود ، تجربة صعبة، اللهم أدم علينا نعمة الأمن، أيام مررنا بها بظروف نفسية صعبة جدا، عشنا ظروف حرب قاسية وخطيرة، وكانت أكثر الفترات خطورة لكننا تحملنا كل شيء فنحن ذهبنا تطوعا للمضي في رسالة الأردن بدعم أهلنا في غزة.

وأكدت الملازم داوود ، الأهل في غزة نشأت معهم علاقة رائعة، وكنا نسمع الدعاء منهم يوميا، والشكر لجلالة الملك وللأردن، نستقبل يوميا مئات الحالات وجميعها معقدة جدا، لم يمر علينا حالة عادية أو مألوفة من كسور وحروق وشظايا في الجسم، كما لم تكن حالة تخصص طبيب واحد، فكنا جميعا نعمل فريقا واحدا بيد وقلب واحد لنقدم كل ما يلزم أهلنا في غزة.

وأشارت الملازم داوود إلى أن للأردن مكانة كبيرة جدا في غزة، ويتحدثون عن الأردن بالكثير من الوفاء كونه أول من كسر الحصار، وكثيرا ما استقبلنا غزيين يقولون لنا أنتم من ضحيتم بأنفسكم من أجلنا، وتركتم أسركم وأطفالكم من أجلنا، سيما وأننا ذهبنا لغزة في فترة خطرة، إضافة لكوننا أسسنا مستشفى كاملا خلال (5) أيام.

من الحالات التي لن أنساها تقول الملازم داوود وصول طفلة بعمر 7 سنوات للمستشفى وقد أصيبت بشظايا وكسور معها والدها فيما استشهدت عائلتهما، بقيت قدمها مكسورة «كسر مفتوح» لفترة تجاوزت الأربعة أيام، وبذلك الأوعية الدموية فقدت الحياة، ومع ذلك وضعها الأطباء بالميداني في العناية الحثيثة على أمل عودة الحياة في شريان الرجل، لكن للأسف لم يحدث ذلك، واضطر الأطباء لبترها، كانت صدمتها كبيرة عندما استيقظت ولم تجد رجلها، وأنا تعبت نفسيا جدا فهذه الطفلة دخلت المستشفى بقدمين لتخرج بواحد، ليتني أطمئن عليها الآن.

وأكدت الملازم داوود عند مغادرتهم أن آلاف الغزيين جاءوا لوداعهم، بالدعاء والشكر، والدموع، حتى أن رجالا تبكي لمغادرتنا، وحقيقة عندما وصلت الأردن لم أصدق ، فحمدا لله على نعمة الأمن والأمان.

الرائد آمنة العجارمة

الرائد آمنة فهد العجارمة / ممرضة قانونية، قالت ذهابي لغزة جاء بطلب مني منذ أشهر، تمنيت أن يسمح لي بالتطوع لأن أقدم العون لأهلنا في غزة، وكنت قد طلبت قبل أشهر السماح لي بالمشاركة، وعندما أرسل لنا الطلب للراغبات بالمشاركة في ميداني غزة/2، سارعت على الفور بالتقديم للمشاركة في المستشفى، وكان الطلب يوم الأربعاء، وسافرنا يوم الإثنين، ولم يأخذ قرار مشاركتي الثانية، حيث فكرت وقررت وأبلغت المعنيين على الفور.

وبصوت اختلطت به العبرات مع الكلمات قالت العجارمة خلال تواجدي في غزة توفي والدي، كانت أياما ليست سهلة، لكن كنا نقدم لأهلنا في غزة كل العون والمساعدة الطبية والإغاثية والإنسانية، عشنا معهم ولهم، لم أشعر يوما أن ضيقا يسيطر على مشاعري إلاّ عندما أرى طفلا دون أهل أو حالات تدمي القلب والعين كانت تصلنا لأطفال ونساء وأبرياء، لتكون هذه الـ (110) أيام بين الفرح والحزن والخوف والقلق، لم نسع خلالها سوى لهدف إنساني نبيل وأن نقدّم كل ما من شأنه تمثيل الوطن بأحسن حال.

وعن الحالات التي كان يستقبلها المستشفى قالت الرائد العجارمة، حالات مأساوية، كثير من الحالات كنّا نشتم رائحة الحروق عن بعد ، إضافة لحالات البتر، ووصلت أشلاء للمستشفى، وجروح واصابات خطيرة في الدماغ وغيرها من الحالات، مشيرة إلى أن الأطباء في المستشفى قاموا بآلاف العمليات الكبرى من أبرزها عمليات في الدماغ، وزراعة رقع للجلد، وغيرها من العمليات الهامة والدقيقة.

وأكدت الرائد العجارمة أن أيام غزة يصعب أن تنسى بكافة تفاصيلها، منذ أول يوم حيث كانت الهدنة ما تزال قائمة، حتى آخر يوم ودّعنا به أطفالا اعتدنا عليهم، فكثير من الأطفال كانوا يتحدثون معنا من خلال النوافذ، ونقدّم لهم الطعام وأي مساعدات إغاثية إن احتاجوها، على الرغم من أن أطفال غزة ليسوا أطفالا، إذ تشعر أنك تتحدث مع رجال فقدوا كل شيء في الطفولة، ولا زلت أذكر أحد الأطفال لم يتجاوز سن (8) أعوام يأتي يوميا ينادي ويلقي التحية ويغادر، ومرّت أيام لم يأت لزيارتنا وعشنا حالة قلق وخوف عليه ليعود بعد ذلك لزيارتنا ويخبرنا بأنه اضطر لمغادرة مكان إقامته لمكان بعيد، لكن مشاعر القلق عليه عشناها جميعا وكأنه فردا من أفراد أسرتنا.

أيام تعلمنا خلالها الكثير، تقول العجارمة، قدّمنا بها بحبّ العون الصحي والطبي والإغاثي لأهلنا في غزة، لم نبحث سوى عن تحقيق هدف واحد هو فرح أطفال غزة والغزيين، وأن يبقى الأردن بقيادة جلالة الملك العون الحقيقي لأهلنا في غزة.

الرائد إسلام العتوم

من جانبها، قالت الممرضة القانونية الرائد إسلام كامل العتوم ، كانت أياما رائعة رغم صعوبتها وقساوة ظروفها، لكننا تعلمنا خلالها الكثير، على الصعيد الإنساني والمهني، عشنا ظروفا لم نعتد عليها يوما، بل لم نعرفها، وشعرنا بالخوف والقلق سيما وأن القصف لم يكن يتوقف على مدار ساعات الليل والنهار، ناهيك عن الحالات التي تعاملنا معها على الصعيد الطبي والصحي، خطيرة ومؤلمة من حروق وإصابات بقذائف وأشلاء وحالات بتر وأحشاء تخرج من أجساد الأطفال والنساء والرجال، وشظايا تصيب الأجساد والدماغ، وحالات أخرى كثيرة صعبة.

تشعر وأنت في غزة ، تقول العتوم ، أنك في مكان آخر من هذا العالم، كل شيء مختلف وقاس، كل شيء مؤلم، لكن في ذات الوقت ورغم كونها تجربة صعبة بل وقريبة من المستحيل عشنا فرحا وشكلت لي تجربة جميلة عندما كنا نساعد أهلنا في غزة، ونرى ردة فعلهم.

وأشارت الرائد العتوم إلى أن الأهل في غزة يقدّرون الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، وكل ما يقدّم لهم من سند وعون، وكنا نشاهد يوميا ردة فعلهم من ما يقدمه الأردن، من دعم وسند إضافة للإنزالات الجوية التي كنّا نرى فرحهم بها وشكرهم لجلالة الملك لتوجيهاته بها، ومشاركته الشخصية كذلك، فكانت الأفراح تعم غزة بهذه الإنزالات.

وأضافت الرائد العتوم، وفي المستشفى الميداني كنا نقابل بكل الحب والشكر والثناء لما نقدّم لهم، وكثيرا من الأهالي أطلقوا على المواليد اسم عبد الله لحبهم لجلالة الملك عبد الله الثاني، وكذلك أطلقوا اسم رانيا وحسين، حبّا بجلالة الملكة رانيا وسمو الأمير الحسين ولي العهد، ووفاء للأردن الذي يحبون ويكنون له كل حب وتقدير وعرفان، وكثيرة أشكال شكر أهلنا في غزة للأردن ولجلالة الملك ومن أبرزها أن مئات العائلات أطلقوا على مواليدهم الجدد اسم عبد الله.

الظروف التي مرّت بنا صعبة كما تصف الرائد العتوم، وكنت أحاول أن لا أفكر بأمي وأبي لأن ذلك كان يشعرني بقلق وخوف، كنا نعمل على مدار الساعة دون توقف، وحتى الآن أذكر الأطفال الذين أشرفت على علاجهم، وما يزال السؤال يسكن تفكيري بأن هل وجدوا أهلهم، سيما وأن أعدادا من الأطفال دون أهالي فقد استشهدوا.

واليوم تقول العتوم ما زلت أسمع صوت قذائف وصواريخ وأحمد الله على نعمة الأمن والسلام التي ينعم بها الأردن، وأقضي وقتا طويلا في قراءة القرآن والصلاة فهما علاج ونحن أقوياء بهما، حتى أخرج من حال يلازمني منذ عدت من غزة لكثرة التفكير في أيام قاسية صعبة، لكنها مليئة بفرح الإنجاز والعطاء بهدف واحد رضا الله.

الملازم الأول إخلاص الدويكات

من جانبها، قالت الممرضة القانونية الملازم الاول إخلاص سليمان الدويكات انها كانت تجربة إنسانية مهنية مختلفة تعلمت منها الكثير، لم تكن سهلة ولكنها أيضا منحتنا فرحا لا يمكن نسيانه، أيام اقتربت من الأربعة أشهر، فقد تم زيادة (20) يوما على اقامتنا، لنمضي (110) أيام، لكنها تجربة رائعة خرجنا منها بالكثير من الإيجابيات مهنيا وإنسانيا، ونشأت بيننا وبين أهلنا في غزة علاقات مميزة عززت وزادت من حبهم للأردن ولجلالة الملك عبد الله الثاني.

وقالت الدويكات كانت تجربة صعبة وقاسية، الوضع الإنساني كارثي في غزة وكل ما نسمع عنه جزء من الواقع، فما شاهدنا وعالجنا والحالات التي كانت تصل للمستشفى لم أتوقع يوما أن أراها، وضع كارثي جدا، لم أتوقع يوما أن أرى الحروق التي رأيتها، ولا أن أرى أحشاء تخرج من الأجسام، وحالات البتر، وغيرها من الحالات التي لم أفكّر يوما أن أراها، وكلها كنا نتعامل معها باحترافية ومهنية عالية، وكانت ردود الفعل من أهلنا في غزة مليئة بالشكر والحب.

وعن أكثر الحالات التي لم تغب عن ذاكرتها وتؤكد أنها لن تغيب قالت الملازم ألاول الدويكات طفل وصل المستشفى يعاني من آلام في المعدة، وعندما تم فحصه تبيّن أنه يعاني من عيب خَلقي في أمعائه، لم يمهله طويلا حيث توفي بعد أيام، وأكثر ما آلمني أن والدته عندما انجبته عانت من النزيف، فكان أن استأصلوا لها الرحم حيث لم يجد الأطباء في غزةما يوقف النزيف، لقلة المعدات والأجهزة، هذه الحالة المؤلمة بالطبع هي واحدة من مئات وآلاف القصص التي مرّت بنا، لكنها أثرت بي كثيرا، كما أنني ما زلت أذكر غالبية الأطفال الذين أشرفت على أوضاعهم في الخداج.

وما زلت أذكر أحد الأطفال الذي وصلنا بحال صحي سيء جدا، تقول الدويكات وأشرفت على وضعه حتى أن الزملاء كانوا يقولون عنه «ابن إخلاص» تعلقت به جدا، وسهرت على توفير ما يلزمه صحيا، لكنه توفي وترك في قلبي جرحا عميقا ورغبة بالبكاء حتى نهاية الزمن!!! وكنت بعده أحب الأطفال بصمت وبمتابعتي لهم دون أن يغمض لي جفن.

وأؤكد تقول الدويكات أنني تعلمت خلال عملي في ميداني خان يونس الكثير، فأنا خبرتي ثمان سنوات، ما تعلمته في غزة يوازي هذه السنوات، إضافة لكوننا عشنا حالة تشابك مع أهلنا في غزة تقاسمنا بها «اللقمة» والعون.

الوكيل أول حلا الشبيلات

فني التنفسية الوكيل أول حلا محمد سليمان الشبيلات قالت تجربة صعبة وليست سهلة وقاسية، والحمد لله أن قمنا بهذا الدور الإنساني خدمة لمن يستحقون العون والمساعدة، فأهلنا في غزة يعيشون وضعا كارثيا، وبحمد الله قدمنا كل ما يمكن تقديمه لعونهم ومساعدتهم طبيا وصحيا وإنسانيا، ووجدنا منهم كل الحب للأردن ولجلالة الملك.

وأضافت الشبيلات الأم لثلاثة أطفال، كانت تختلط مشاعري عندما أرى الأطفال في غزة، وأشكر الله على نعمة الأمن والاستقرار الذي ينعم به الأردن بقيادة جلالة الملك، وأشعر بضرورة تقديم العون لأطفال غزة الذين يعيشون أوضاعا مأساوية وكارثية، تحديدا ممن فقدوا ذويهم.

وعن قرار مشاركتها بالمستشفى الميداني قالت الشبيلات عندما علمت بالسماح للسيدات المشاركة بالمستشفى الميداني، دون تردد أرسلت رغبتي بالذهاب إلى غزة، أخذت قراري رغم معرفتي بأني سأترك أطفالي لكن رأيت أن أطفال غزة بحاجة للخبرات الطبية، ونحن نملك خبرات طبية كبيرة، وعملنا على مدار الساعة أنا وزميلاتي وزملائي في المستشفى مقدمين بكل حبّ العون لهم، تاركين عائلاتنا وأطفالنا لنساندهم بشكل عملي وحقيقي ذكورا وإناثا.

وعن ما تحمله من ذكريات عن مشاركتها في ميداني خان يونس قالت الشبيلات لا يمكن أن أنسى شيئا من ما عشته وتعلمته في غزة، لكنني ما زلت أذكر جيدا الطفل « محمد « أحببته وراعيته بشكل حثيث، وكذلك « علاء « الذي تعرض لانفجار كبير وغيرهما من الأطفال الذين أذكرهم وأتمنى أن يكونوا قد عادوا لأهاليهم، وكثيرا ما جاء لنا أهالي فقدوا الأمل بلقاء أطفالهم ليجدوهم بأحسن حال في المستشفى الميداني الأردني، معتبرين دوره الأهم في غزة، والأكثر دعما وسندا لهم.

ــ الدستور

مواضيع قد تهمك