الأخبار

سامح المحاريق يكتب: ضبط سقف التوقعات للانتخابات المقبلة

سامح المحاريق يكتب: ضبط سقف التوقعات للانتخابات المقبلة
أخبارنا :  

اليونان بلد ديمقراطي، ومع ذلك يغرق في المشكلات التي أنتجتها بنيته الديمقراطية، فمع التنافس السياسي كان الحرص على الشعبوية محركًا أساسيًا، ولاسترضاء الناخبين تزايدت المديونية إلى حدود خطرة مع التوسع في إنفاق لا تقابله إنتاجية حقيقية تنعكس على إيرادات حكومية.

هذه أمثولة مهمة ويجب أن تبقى حاضرةً مع التقدم إلى حكومة نيابية تبدأ ملامحها في التبلور مع الانتخابات المقبلة والتي تحددت في العاشر من أيلول المقبل، والمتوقع أن تشهد الأردن صخبًا واسعًا في المراحل التحضيرية يترافق مع زحام مع الوعود الإنتخابية ويتشابك مع توقعات كثيرة ستقوم على أساسها.

لا أحد يمتلك العصا السحرية، فالأردن يعيش في سياقات كبرى وفرعية منذ أكثر من مائة سنة، بعضها تحول إلى أنماط حياة وتقاليد اجتماعية وحدود فكرية، وبعضها ما زال مفتوحًا بحاجة إلى التعريف وإعادة التعريف، ومنها موضعة الأردن في الإقليم وفي قضاياه ومشكلاته، والسياسيون الذي اعتادوا أن يعيشوا على هامش البيروقراطية وأن يمتلكوا هامشًا واسعًا من الذخيرة الكلامية التي كانت تطلق في الهواء، عليهم اليوم أن يتدربوا على تصويبها تجاه أهداف معينة.

البيروقراطية الأردنية ساهمت في قيادة الدولة في العقود الماضية، وعرفت تضاريس التحديات بصورة كاملة، كانت حساباتها أحيانًا صائبة في مناسبات كثيرة، وخاطئة في مناسبات أخرى، والدروس التي تتعلق بالأزمة الاقتصادية 1989 تبقى حاضرة لديها بوصفها هاجسًا تسعى لتجنب تكراره، ولذلك كانت الدولة تعتمد على بنية عميقة من وظائف الأمناء العامين ومدراء المديريات تمتلك المعلومات اللازمة لاتخاذ القرار، وصحيح أنها شكلت عبئًا على الإدارة العامة، وأفقدتها المرونة اللازمة من أجل جهود التحديث والتطوير، ولكنها بقيت الصمغ الذي يمكن الدولة من تحقيق الاستقرار المطلوب الذي يمكن أن يستوعب التحولات الكبيرة والمتواصلة التي حاوطت الدولة الأردنية.

التحدي الأساسي للأحزاب والمرشحين في الانتخابات القادمة يتمثل في التأسيس لخطاب واقعي يستطيع أن يوضح الدور الذي ستؤديه البنية السياسية الجديدة، ويظهر تفهم موجة جديدة من المعروض السياسي للتحديات الماثلة أمام الدولة، وأن يحدد علاوة على ذلك كيفية تفاعل السلطات التشريعية والتنفيذية، ومن غير ذلك، فالجميع سيدخل في باب الشعبوية في مرحلة مبكرة، وستصبح الأشهر القادمة عبئًا ثقيلًا على المجلس النيابي المقبل.

ما ليس واقعيًا، أن يطرح حزب يدخل الانتخابات فكرة المجانية الكاملة للتعليم الجامعي، وهي فكرة مطبقة في دول أخرى، ولكن أولوياتها مصممة على أساس ذلك، وبناء على ظروفها الخاصة، وتطبيقها في الأردن، في ظل أوضاعه الراهنة من شأنه تعميق أزمة الجامعات الحكومية وكوادرها، والممكن والمتاح هو الحديث عن تطوير وعصرنة برامج المنح والقروض التي تتوفر للطلبة.

توجد خبرات طويلة وتصورات مستقرة حول عملية الانتخابات في الأردن وكامل طقوسها، وما يقدمه المرشح من ضيافة لناخبيه، وبعض المحفوظات السياسية التي لا تعدو كونها تكرارًا لثوابت وطنية أو استجابةً لما يطلبه الناخبون، وللباحث أحمد أبو خليل كتاب يجمع بين الطرافة والعمق عنوانه » الموشح في مسالك الناخب والمرشح» يلخص فيه موسم الانتخابات في الأردن في سياقاتها الاجتماعية والسياسية، أما التجربة الحزبية فإنها ليست بالمعلومة بالضرورة، وإن كان يجب في البداية أن تكون مختلفة، وألا تفترض الأحزاب التي تشكلت على أساس التقاء مشاريع بيروقراطية تمتلك درجات متفاوتة من الخبرة في الإدارة العامة أن الناخب يستطيع الإلمام برؤاها، ولا تفترض الأحزاب التي تسعى لإحداث التغيير أن الناخب يستطيع أن يشاركها المخيلة السياسية.

العاشر من أيلول نقطة ختامية لمرحلة، وافتتاحية لمرحلة أخرى، ولكن متابعة الحملات الانتخابية، وخاصة الحزبية منها، يحدد مدى سقف التوقعات بخصوص التحديث السياسي، ومدى ما نحتاجه وعلينا أن نستدركه في الجولة الأولى من التقدم تجاه حياة سياسية تستطيع أن تخدم أهدافنا الوطنية، وللأحزاب أن تدرك أن القرار اتخذ مع الأمر الملكي بإجراء الانتخابات وأن كل يوم يجب أن يستغل بالصورة المثلى لوضع التجربة الحزبية في سياقها السليم والمنتج. ــ الراي

مواضيع قد تهمك