الأخبار

م . باهر يعيش : خارج النّص.. ولاد الحارة

م . باهر يعيش : خارج النّص.. ولاد الحارة
أخبارنا :  

وسط المعامع التي تدور حولنا والتي يخوض فيها زملاؤنا الكتاب الصحافيون والمعلقونن غمار بل إوار اللظى والمسيرات والصواريخ التي تصيب ولا تصيب؛ رأيت أن أخرج عن النّصّ، مع تأكيدي بأن الهرج الذي سأخوض فيه سيثير البعض وقد يلحقني سهم ورقيّ أو «طراطيش» من هنا وهناك على أساس.. الناس «بإيش وانت بإيش».ما علينا. فقليل من الراحة وسط هذه الزحمة قد يفيد بل يعين على متابعة ما يجري... من مقاعدهم.

رأيت على «العيد» ومن بعيد، عبر الهواء ومن على هاتفي صورة لأحد رفاق حارتي زمان. كان قد انقطع التواصل بيننا منذ فترة لا أريد تحديدها حفاظًا على سرية سنّ...هذا الرفيق. عدت بذاكرتي التي تتقن بل تتفنن في العودة إلى ذكريات الطفولة والصّبا أكثر من ذكريات..ما نحن فيه الآن أو بالأمس. كنّا أولاد حارة. حارة من حارات (نابلس) العظيمة، قريبة من منازلنا. معظمنا جيران الباب مقابل الباب والحيطان...لها ودان. كنا نجتمع بعد انفضاض المدرسة ومنّا من (أكل عصًا) من أستاذ العربي لرفعه المفعول به وكسره الفاعل، أو من معلّم الحساب لأنه كان يظن أن الجذور هي فقط ما ينبت تحت الأرض للنباتات وليس للأعداد.

كنّا نهرول نحو ملاعب الطفولة نمارس ألعاب منها...السبع حجار حيث يضع أحدنا سبعة حجاره فوق بعضها ليقوم الآخر بطرحها أرضًا بواسطة كرة غالبًا ما تكون من (جرابات الأب) بعيدًا عن أعين الأم؛ بعدها نجري مبتعدين ليلحق بنا صاحب الكرات المنهارة. لعبة أخرى هي...البنانير (الچلول). نحفر حفرة ونضع بها عدد من البنانير ليحاول كل منّا وبالدور ومن خلال ضربها بجلّ أن (يدفش) أكبر عدد منها لتخرج من الحفرة وتكون من نصيبه.

كان هناك صبي أكبر منّا سنًا وعملاقًا بالنسبة لنا ومن خارج المجموعة، يقوم بحشر نفسه أحيانًا للعب معنا وبأسلوب تعسفي (زعرنة)؛ مفادها أنه لا يخسر. فهو يستولي على البنانير كلها حتى لو خسر. كنّا نكن له عدم الرّضا (اليس الكراهية فالأطفال لا يعرفونها)...بدري عليهم. كنّا نكظم غيظنا خوفًا منه. في يوم..طفح الكيل. تجمعنا حوله وكل منا متسلّح بحجر من الحجارة السبعة. إرتد نحو الجدار وأصبح في مرمانا. رأى أنه لا يمكن الاستفراد بأي منّا. بدأنا بالصراخ عليه ف..لاذ بالهرب و...لم يعد. تعلمنا درسًا؛ عليك الدفاع عن حقوقك ولو بالحجارة والأهم... يد الله مع الجماعة.

في يوم قمت بتقليد بائع بليلا(حمّص مسلوق) بعد الاستئذان من والدي(التاجر الكبير)، عرفت بعدها أنه كان مسرورًا لممارسته التجارة في طفولتي ولو ببيع ...البليلة، طبعًا بوساطة والدتي، وبسّطت في حارتنا. كنت طفلًا في السابعة من عمري تقريبًا. بعت كافة البضاعة لأولاد الحارة و...القرطاس بتعريفة لكن ...بالدين. لم أستطع تحصيل واحدة منها من أحد من الرّفاق. عندما رأيت صورة واسم رفيقي قبل أيام على (الفيس بوك) وددت مطالبته بالوفاء بدينه...(التعريفة) لكن...خشيت أن أفقده مرة ثانية. بيعوّض الله. إنّي سامحتهم.

أستأذنكم في العودة إلى مقاعدهم لمتابعة ما يجري...في حارتنا من صمود ضدّ غرباء يريدن الاستيلاء على الحارة بكاملها لكن...تبقى الحجارة و...ويبقى الأطفال ومنهم من بلغ مرحلة الشباب...يقاومون اللصوص...لا لصوص البنانير بل لصوص الأرض والحقوق. ــ الراي

مواضيع قد تهمك