الأخبار

سامح المحاريق يكتب: أين المتعلمون.. و«بتوع المدارس»؟

سامح المحاريق يكتب: أين المتعلمون.. و«بتوع المدارس»؟
أخبارنا :  

يمكن أن نستخدم توصيفات مثل مزعج وصادم عندما نطلع على التقرير الذي أصدره منتدى الاستراتيجيات الأردني ويشتمل تحليلًا على النتائج الخاصة بأداء الطلبة الأردنيين في اختبار البرنامج الدولي لتقييم الطلبة (PISA)، ويمكن أن تزيد هذه الجرعة من التوصيفات السلبية مع الوقوف على حقيقة أن الأردن سجلت أعلى تراجع في مجال الرياضيات بعد ألبانيا، ووصلت إلى المرتبة 75 من أصل 81 دولة مشاركة في الاختبارات، إلا أن وصف المفاجئ لا يصح في سياق حالة التعليم في الأردن.

عندما صدر التقرير، وقبل استقراء النتائج من قبل منتدى الاستراتيجيات تحدث وزير التربية والتعليم الدكتور عزمي محافظة عن تبعات وباء كورونا بوصفها سبب التراجع، ولكن الوزير أخذ مع الوقت يتحدث بكثير من الصراحة والانفتاح حول التحديات الماثلة أمام المنظومة التعليمية في الأردن، وهو القريب منها على مدى فترة زمنية طويلة، تجعله مطلعًا على كثير من التفاصيل وقابضًا على واحد من أهم الملفات التي تعني الدولة والمجتمع.

استهلكت الأسرة التربوية، ومعها مئات آلاف الأسر الأردنية التي لديها أبناء في مراحل التعليم المختلفة، في الحديث عن المناهج، وداخله كان ثمة صراع مبطن يدور حول أيديولوجيات متعلقة بهوية المجتمع، ولا يمكن لموضوعات الرياضيات والقراءة بطبيعة الحال، أن تكون موضوعًا أيديولوجيًا، بمعنى أنها لا تتأثر برؤية أي فرد أو جماعة للعالم ولما يجب أن تكون عليه الأمور، أما العلوم، فربما مسألة أخرى، ولكن مشكلتها في صياغة المنهج لا في جوهره.

بُذِلت جهود مضنية لمراجعة حالة التعليم، إلا أنها انحرفت إلى موضوعات جانبية، وتمكن (الثلث المعطل) من الاسترخاء في تعيقدات التفاصيل وتشعبها، وكأن الوقوف على حضور نص أو غيابه في منهج اللغة العربية هو الأولوية قبل إجادة القراءة من قبل الطلبة حيث يمكن أن يقرأوا وقتها ما يشاؤون، والأصل أن وظيفة التعليم هي تمكين الطالب مما يحتاجه وبالصورة التي ترافق دوره المجتمعي لا تستولي عليه، أما التنميط والتعليب وتجهيز طلبة متشابهين فأمور أصبحت خارج أي رؤية حديثة للتعليم في عالم يحفل بالتغيرات الجارية ويزدحم بالاحتمالات القادمة.

لم يحدث أي تطور كبير في الجرعة اللازمة من علوم الرياضيات التي يجب أن تقدم لطلبة المرحلة المدرسية، وتبقى مسألة علاقة التَعلم بين المعلم والطالب وأساليب التدريس، وملاءمة بيئة التدريس للطلبة من الناحية الفسيولوجية والنفسية، وجميعها أمور ترتبط بقدرة الحكومة على رصد النفقات اللازمة لتحسين هذه العملية، واستعادة الروح الإيجابية والمبادرة من قبل المعلمين الذين عليهم أن يستشعروا بدورهم ومسؤوليتهم تجاه المستقبل.

لا نمتلك رفاهية الوقوف بسلبية أمام هذه المسؤولية الجسيمة، ولكن يمكن أن نفكر خارج الصندوق الضيق من الحلول، بعض الأسر تدعو أبناءها لمتابعة شرح المفاهيم الرياضية من خلال مشاهدة اليوتيوب، وعادةً ما يجد الأبناء ضالتهم هناك، كما وتتواجد منصات مجانية ومدفوعة للمناهج الدراسية، إلا أن هذه الحلول تنتجها ذهنية الطبقة الوسطى بافتراضها توفر اتصالا جيدا على شبكة الإنترنت في جميع الأوقات، وهاتفا ذكيا أو كمبيوترا لوحيا مخصصا للطالب، وحد أدنى من المعرفة لدى رب أو ربة الأسرة، كما ولا يصح أن نتوجه لمزيد من الحلول الفردية في القضايا المهمة، وذات الأولوية.

أظهرت اختبارات PISA أيضًا، وفيما يتعلق بالفقرة السابقة، أن الطلبة الذين يعيشون ضمن شريحة (الربع الأعلى)من حيث الظروف المناسبة اجتماعيًّا واقتصاديًّا قدموا أداءً أفضل من الطلبة الذين يواجهون ظروفًا اجتماعيّة واقتصاديّة صعبة (الربع الأدنى)، وبفارق 40 نقطة في مجال الرياضيات، وهو الأمر المقلق لأنه يتعلق بديناميكيات الحراك الاجتماعي في المدى المتوسط والبعيد، وصراحةً لا أعلم كيف يمكن أن يحدث التغيير طالما أن الكثيرين من أصحاب القرار والمفترض أن ينغمسوا في التفاصيل يتعاملون بصورة يومية مع أبنائهم وأحفادهم من الملتحقين بالمدارس الخاصة، ويكادون لا يشعرون بالمشكلة بنفس الدرجة، ومنطق تيتانيك الطبقي لا يمكن أن يمثل حلًا، صحيح أنه يحتفظ ببعض الحيوية لتنافسية الأردن، ولكنه يولد مشكلات بعيدة المدى تتمثل في بنية المجتمع وآليات توازنه.

على المستوى الإفرادي والجزئي، ربما تشعر كثير من الأسر أن التعليم لم يعد بنفس الأهمية، وأن حالة الإمداد المتواصل للبيروقراطية الحكومية لم تعد قائمةً منذ زمن، ولكن على المستوى الجمعي والكلي، فالأردن يدخل ومعه ميزة سكانية تتمثل في انخفاض معدلات العمر، وانفتاح أفق العمل عن بعد، ويحتاج إلى كتلة منافسة في أسواق العمل الدولية التي تستوعب الفوائض الأفضل في كل بلد لمصلحة معادلة جديدة في الإنتاج تؤسس لمعادلة موازية في التوزيع.

الإصلاح لم يعد كافيًا ليصبح عنوانًا لما نحتاجه على مستوى التعليم في الأردن، والمطلوب اليوم، هو التثوير الذي يبدأ من المفاهيم ويتمدد إلى الأدوات والممارسات. ــ الراي

مواضيع قد تهمك