الأخبار

أ . د. ليث كمال نصراوين : الأردن في دفاع شرعي وفق القانون الدولي

أ . د. ليث كمال نصراوين : الأردن في دفاع شرعي وفق القانون الدولي
أخبارنا :  

ليلة استثنائية عاشها المواطن الأردني وهو يرى الأبطال الأشاوس من نشامى القوات المسلحة الجيش العربي وسلاح الجو يتصدون للمسيّرات الإيرانية التي اخترقت الأجواء الوطنية، على الرغم من صدور القرار السيادي بوقف حركة الملاحة الجوية فوق الأراضي الأردنية.

إن ما قامت به الدولة الأردنية من إجراءات عسكرية مباشرة واسقاطها لكافة الأجسام الغريبة التي اخترقت مجالها الجوي يعد من قبيل الدفاع الشرعي وفق أحكام القانون الدولي. فهذا المبدأ قد جرى الاتفاق على تعريفه بأنه «قيام الدولة باتخاذ كافة الإجراءات العسكرية اللازمة لدفع خطر جسيم سيقع عليها والعمل على ايقافه بهدف حماية أمنها وشعبها ونظام الحكم فيها». فالفقيه الفرنسي مونتسكيو قد شبّه الدفاع الشرعي للدول بما يقوم به الأفراد بالقول «إن حياة الدول كحياة الأفراد فلهؤلاء الحق في أن يقتلوا في حالة الدفاع الطبيعي، وللدول الحق في أن تُحارب لتحافظ على كيانها ووجودها».

وقد تكرس حق الدفاع الشرعي للدول في القانون الدولي منذ القِدَم، حيث نصت المادة (10) من اتفاقية لاهاي بشأن حقوق وواجبات الدول المحايدة والأشخاص المحايدين في حالة الحرب البرية بالقول «لا يعد عملا عدائيا كل عمل تقوم به الدولة المحايدة لصد محاولات النيل من حيادها حتى ولو كان ذلك بالقوة». كما نصت المادة (2) من بروتوكول جنيف لعام 1924 بالقول «إن الدول الموقعة قد اتفقت على أنها سوف لا تلجأ إلى الحرب كوسيلة لفض المنازعات بأي حال إلا في حالة مقاومة أعمال العدوان».

ومع تأسيس هيئة الأمم المتحدة وصدور ميثاقها في عام 1945، جرى التأكيد على حق الدول الأعضاء في استخدام القوة المسلحة للدفاع عن نفسها ضد أي عدوان غير مشروع قد يقع عليها ومن شأنه أن يمس بسيادتها ويعرضها للخطر. فقد نصت المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة بالقول «ليس في هذا الميثاق ما يُضعف أو ينتقص من الحق الطبيعي للدول في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي».

وقد أجمع فقه القانون الدولي على مجموعة من الشروط الواجب توافرها لغايات ثبوت الحق للدول في التمسك بمبدأ دفاع الشرعي وإعطائه الطابع الشرعي والقانوني، والتي تحققت جميعها في حالة الاعتداء الآثم الذي تعرض له الأردن قبل أيام. ففعل العدوان الذي يعطي الدول رخصة الدفاع الشرعي بعيدا عن الموافقة المسبقة لمجلس الأمن يجب أن يكون مسلحا وحالا وقائما بالفعل، وعلى قدر من الجسامة والخطورة، وغير مشروع بطبيعته.

وبمجرد تحقق هذه الشروط في السلوك العدواني الذي تأتيه دولة ما بحق دولة أخرى، فإنه يثبت للدولة المعتدى عليها الحق في الدفاع الشرعي، وتفقد الدولة المعتدية حقها الشرعي في التمسك بمشروعية دفاعها عن نفسها في مواجهة ما تقوم به الدولة المعتدى عليها من أفعال عسكرية ضدها. فمبدأ «لا دفاع ضد الدفاع» قد كرسته محكمة نورمبرغ عند محاكمتها مجرمي الحرب النازيين بالقول «إن من يلجأ إلى الحرب العدوانية يفقد حق الادعاء بحق الدفاع عن النفس، وذلك استنادا إلى مبدأ مستقر في القانون الجنائي وهو أنه لا يجوز الادعاء بالدفاع عن النفس بمواجهة الدفاع عن النفس».

وما يعزز من مشروعية الدفاع الشرعي الذي قامت به الدولة الأردنية أنها قد التزمت بالشروط الواجب توافرها في فعل الدفاع وفق أحكام القانون الدولي، والتي تتمثل بأن التصدي للمسيرات الأجنبية كان هو الوسيلة الوحيدة لصد العدوان الواقع عليها، المتمثل بانتهاك سيادتها الوطنية وتعريض أمنها وسلامة أراضيها للخطر، وأن فعل الدفاع قد جرى توجيهه إلى مصدر الخطر المسلح ولم يتطاول إلى المساس بسيادة أي دولة أخرى، وأنه كان ضروريا ومتناسبا مع حجم العدوان الذي تعرض له الأردن.

وعلى الصعيد الإقليمي، فقد تكرس حق الدول في الدفاع الشرعي بشكل فرادى أو جماعي، حيث نصت المادة (2) من اتفاقية الدفاع العربي المشترك لعام 1950 بالقول «تعتبر الدول المتعاقدة كل اعتداء مسلح يقع على أية دولة أو أكثر اعتداء عليها جميعا، ولذلك فإنها عملا بحق الدفاع الشرعي–الفردي والجماعي عن كيانها–تلتزم بأن تبادر إلى معاونة الدولة أو الدول المعتدى عليها بأن تتخذ على الفور منفردة ومجتمعة جميع التدابير وتستخدم جميع ما لديها من وسائل بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما». وعليه، فإن ما أقدم عليه الأردن في ممارسة لحقه في الدفاع الشرعي عن سيادة أراضيه وسلامة شعبه يُقدّم على أية اعتبارات أخرى، مهما كانت طبيعتها وأهميتها، حيث جاء متوافقا تماما مع أحكام القانون الدولي. ــ الراي

أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة

laith@lawyer.com

مواضيع قد تهمك