د . مهند مبيضين : التجديد في مصر
العام 2015 كانت آخر زيارة لي لمصر، للمشاركة مع قناة الـ بي بي سي في برنامج سجل في مكتبة الاسكندرية، كان الرئيس عبدالفتاح السيسي لم يتمّ عامه الأول في الحكم، وكانت التوقعات أن الصعوبات كبيرة أمامه، وقد ورث تركة كبيرة بعد الرئيس محمد مرسي.
يومها بدت البلاد حائرة، ولكن غالبية المصريين كانوا يشعرون بالسعادة، بغض النظر عن المواقف المختلفة فيها من الثورة وخروج الرئيس مبارك من السلطة ولاحقا وصول الرئيس محمد مرسي ثم وصول الرئيس السيسي، كلها أمور واحداث مهمة في سياق التحولات الكبرى التي اعقبت خطاب الرئيس أوباما في جامعة القاهرة في 4/ 6/ 2009 والتي دعا فيها للدمقرطة والتغيير الناعم.
زرت مصر قبل ذلك التاريخ بعام، في زمن الرئيس مرسي، والتقيت بعض مستشاريه ونشرت تقريرا في الدستور عن فريق الرئيس مرسي الذي كان اختاره، قبيل اعلانه، وقد بدت القاهرة يومها لا كما هي اليوم، حيث تشهد راهناً عملا كبيرا وتنظيما جديدا وبدايات جيدة ومشاريع عملاقة وسياحة متعددة الوجوه، واقبالا على الاستثمار ودعما عربيا كبيرا، فقد استعاد البلد مركزيته وكينونته دون ان يقول بانه يريد قيادة العرب ولا أن يتولى مصائرهم، إذ أعاد الرئيس السيسي البوصلة للعمل الداخلي والواقعية والاهتمام بالتنمية الريفية الواسعة مع التوسع في الانفاق والانشاءات في المدن الجديدة والمرافق الخدمية، وبرغم ان كل إصلاح سيجد من يعانده إلا ان الطرق في مصر كلها مفتوحة للتجديد.
صحيح أن هناك قروضا تمول المشاريع، وصحيح أن الجنية المصري تراجع سعره مقابل الدولار، لكن المشاهد لحال مصر اليوم يراها مختلفة الشكل، وان المواطن المصري على المدى المتوسط والطويل سوف يلمس آثار ما يجري في بلده اليوم من تحولات كبيرة.
لم يشمل التحول المصري الجديد التحديث في البنى والمشاريع وتأسيس الجامعات الجديدة والطرق، ولا في اطلاق يد الجيش في المشاريع الكبرى، بل وصل الأمر إلى التدخل بقطاع الدراما والإعلام وتنظيمه بشكل يخدم الرؤية المصرية ويخدم الدولة. ومع أن هذا الاجراء قد يكون اخذ من نصيب البعض والافراد والجماعات التي كانت تهيمن على سوق الإعلام والانتاج السينمائي إلا أن الدولة تحكم قوتها وسطوتها وتحقق الكثير من الانجازات وقد نظمت هذا القطاع وضبطت الإعلام وقللت المحتوى السلبي الذي يعارض المشروعات الكبرى.
مصر اليوم أفضل مما كانت عليه سابقا، وقد تحقق لها توسع دوائر التنمية والإصلاح، واستعادة الأمن والاستقرار، ومع أنها تواجه أزمات اقتصادية كغيرها خاصة بعد جائحة كورونا ومع الحرب الروسية الأوكرانية، لكنها استطاعت أن تعبر تلك الأزمات بما هو أقل فداحة وضرراً. ــ الدستور