سلامة الدرعاوي : إصلاح الضمان الاجتماعي
أخبارنا :
الإصلاح الأول الذي لا بد من التوقف عنده يتمثل في سن تقاعد الشيخوخة، حيث إن الإبقاء على سن الستين كما هو لم يعد منسجمًا مع التحولات العمرية والاقتصادية، ولا مع تطور متوسط الأعمار وقدرة الأفراد على الاستمرار في العمل والإنتاج، كما أن الاستمرار في إخراج أعداد كبيرة من العاملين عند سن ثابت يضع ضغطًا مباشرًا على النظام التقاعدي ويقوض الاستدامة المالية، ما يجعل إعادة النظر في هذا السن مدخلًا أساسيًا لأي إصلاح حقيقي.
أما التقاعد المبكر، فلا بد من التأكيد على أنه لا يُلغى، لكنه في الوقت نفسه لا يجوز أن يبقى خيارًا واسع الاستخدام، والمطلوب هو "تبويبه" بشكل محدد جدًا، بحيث لا يُلجأ إليه إلا في حالات ضيقة ومبررة ترتبط بطبيعة العمل أو ظروف استثنائية واضحة، إذ إن الإشكالية لم تكن يومًا في وجود التقاعد المبكر، بل في تحوله إلى مسار شبه عام بدل أن يبقى استثناءً محسوبًا.
غير أن جوهر الإصلاح الحقيقي يبدأ من توسيع قاعدة الشمول في الضمان الاجتماعي، وهذه هي النقطة الإصلاحية الأهم، وهي التي تشكل المدخل العمودي لمعالجة الخلل البنيوي في النظام، لذلك فإن تجربة جائحة كورونا كشفت حجم هذه الفجوة بوضوح، حين أُطلقت برامج دعم مثل برنامج "استدامة"، وتبين أن شركات كبرى ومنشآت اقتصادية معروفة لم تتمكن من الاستفادة من الدعم لأنها غير مسجلة أصلًا في الضمان الاجتماعي، رغم نشاطها وحجمها.
ويتصل بذلك مباشرة ملف التهرب التأميني، الذي لم يعد حالة ثانوية، لكن أصبح ظاهرة في قطاعات اقتصادية واسعة، إذ ان هناك منشآت كثيرة تعمل من خلال شركات وهمية أو تسجيلات شكلية لتجنب الاشتراك في الضمان، وفي قطاعات يفترض أنها منظمة بطبيعتها، فالمشكلة لا تقتصر على منشآت صغيرة أو أعمال فردية، بل تمتد إلى قطاعات كاملة لا تلتزم بالدفع، بما في ذلك قطاعات خدمية وتعليمية، فضلًا عن قطاعات حرفية ومهنية واسعة لا يزال العاملون فيها خارج مظلة الضمان.
هذا الواقع يعني أن جزءًا كبيرًا من النشاط الاقتصادي يجري خارج النظام التأميني، مما يضعف قاعدة الشمول ويحمّل المشتركين الملتزمين عبئًا مضاعفًا.
ومن هنا، فإن توسيع قاعدة الشمول هنا لا يكون فقط عبر تشجيع التسجيل، لكن عبر معالجة جذرية لملف التهرب التأميني، وتشديد الرقابة على المنشآت الوهمية، وربط الترخيص والاستمرار في العمل بالالتزام الفعلي بالضمان الاجتماعي.
كما أن توسيع قاعدة الشمول لا يجب أن يُفهم باعتباره إجراءً مقتصرًا على الأردنيين فقط، لكن يشمل كل من يعمل على أراضي الدولة الأردنية، بمن فيهم العمالة الوافدة، وكل من يعمل له حق في الضمان، ودخوله تحت المظلة التأمينية يحميه ويحمي النظام في آن واحد، لأنه يعزز الإيرادات ويحقق العدالة بين العاملين.
بهذا المعنى، فإن الإصلاح الحقيقي لموضوع الضمان الاجتماعي لا يتحقق عبر حلول مؤقتة أو تعديل أرقام الأعمار من حين لآخر، لكن من خلال معالجة رأسية تبدأ بتوسيع الشمول، ومكافحة التهرب التأميني، وضبط الاستثناءات، وبناء منظومة تعكس الواقع الحقيقي لسوق العمل وتوزع الأعباء بعدالة، عندها فقط يمكن الحديث عن استدامة مالية حقيقية ونظام ضمان اجتماعي يقوم على الإنصاف قبل الحسابات. ــ الغد
الحديث عن إصلاح الضمان الاجتماعي لا يجوز أن يستمر بالنهج ذاته الذي اعتدناه لسنوات، حيث يجري البحث دائمًا عن حلول قصيرة المدى تعالج الأثر الآني ثم نعود بعدها إلى معالجة المشكلات نفسها والاختلالات ذاتها.
وما يحدث عمليًا أن الأدوات نفسها تتكرر، وفي مقدمتها رفع سن التقاعد المبكر من 45 إلى 47 ثم إلى 48 ثم 50 وصولًا إلى 55، وكأن تغيير الرقم وحده كفيل بإصلاح الخلل، وهذا النهج لا يمكن اعتباره إصلاحًا صحيًا أو مستدامًا، لأنه لا يمس جذور المشكلة، بل يؤجلها.
الإصلاح الأول الذي لا بد من التوقف عنده يتمثل في سن تقاعد الشيخوخة، حيث إن الإبقاء على سن الستين كما هو لم يعد منسجمًا مع التحولات العمرية والاقتصادية، ولا مع تطور متوسط الأعمار وقدرة الأفراد على الاستمرار في العمل والإنتاج، كما أن الاستمرار في إخراج أعداد كبيرة من العاملين عند سن ثابت يضع ضغطًا مباشرًا على النظام التقاعدي ويقوض الاستدامة المالية، ما يجعل إعادة النظر في هذا السن مدخلًا أساسيًا لأي إصلاح حقيقي.
أما التقاعد المبكر، فلا بد من التأكيد على أنه لا يُلغى، لكنه في الوقت نفسه لا يجوز أن يبقى خيارًا واسع الاستخدام، والمطلوب هو "تبويبه" بشكل محدد جدًا، بحيث لا يُلجأ إليه إلا في حالات ضيقة ومبررة ترتبط بطبيعة العمل أو ظروف استثنائية واضحة، إذ إن الإشكالية لم تكن يومًا في وجود التقاعد المبكر، بل في تحوله إلى مسار شبه عام بدل أن يبقى استثناءً محسوبًا.
غير أن جوهر الإصلاح الحقيقي يبدأ من توسيع قاعدة الشمول في الضمان الاجتماعي، وهذه هي النقطة الإصلاحية الأهم، وهي التي تشكل المدخل العمودي لمعالجة الخلل البنيوي في النظام، لذلك فإن تجربة جائحة كورونا كشفت حجم هذه الفجوة بوضوح، حين أُطلقت برامج دعم مثل برنامج "استدامة"، وتبين أن شركات كبرى ومنشآت اقتصادية معروفة لم تتمكن من الاستفادة من الدعم لأنها غير مسجلة أصلًا في الضمان الاجتماعي، رغم نشاطها وحجمها.
ويتصل بذلك مباشرة ملف التهرب التأميني، الذي لم يعد حالة ثانوية، لكن أصبح ظاهرة في قطاعات اقتصادية واسعة، إذ ان هناك منشآت كثيرة تعمل من خلال شركات وهمية أو تسجيلات شكلية لتجنب الاشتراك في الضمان، وفي قطاعات يفترض أنها منظمة بطبيعتها، فالمشكلة لا تقتصر على منشآت صغيرة أو أعمال فردية، بل تمتد إلى قطاعات كاملة لا تلتزم بالدفع، بما في ذلك قطاعات خدمية وتعليمية، فضلًا عن قطاعات حرفية ومهنية واسعة لا يزال العاملون فيها خارج مظلة الضمان.
هذا الواقع يعني أن جزءًا كبيرًا من النشاط الاقتصادي يجري خارج النظام التأميني، مما يضعف قاعدة الشمول ويحمّل المشتركين الملتزمين عبئًا مضاعفًا.
ومن هنا، فإن توسيع قاعدة الشمول هنا لا يكون فقط عبر تشجيع التسجيل، لكن عبر معالجة جذرية لملف التهرب التأميني، وتشديد الرقابة على المنشآت الوهمية، وربط الترخيص والاستمرار في العمل بالالتزام الفعلي بالضمان الاجتماعي.
كما أن توسيع قاعدة الشمول لا يجب أن يُفهم باعتباره إجراءً مقتصرًا على الأردنيين فقط، لكن يشمل كل من يعمل على أراضي الدولة الأردنية، بمن فيهم العمالة الوافدة، وكل من يعمل له حق في الضمان، ودخوله تحت المظلة التأمينية يحميه ويحمي النظام في آن واحد، لأنه يعزز الإيرادات ويحقق العدالة بين العاملين.
بهذا المعنى، فإن الإصلاح الحقيقي لموضوع الضمان الاجتماعي لا يتحقق عبر حلول مؤقتة أو تعديل أرقام الأعمار من حين لآخر، لكن من خلال معالجة رأسية تبدأ بتوسيع الشمول، ومكافحة التهرب التأميني، وضبط الاستثناءات، وبناء منظومة تعكس الواقع الحقيقي لسوق العمل وتوزع الأعباء بعدالة، عندها فقط يمكن الحديث عن استدامة مالية حقيقية ونظام ضمان اجتماعي يقوم على الإنصاف قبل الحسابات. ــ الغد