د. خالد الشقران يكتب : الملك طرق أبواب المشرق… فماذا نحن فاعلون؟
حين يتوجه الأردن بخطوات واثقة نحو المشرق الآسيوي، فهو يعلن بداية مرحلة تتجاوز محددات الجغرافيا الاقتصادية نحو فضاء أوسع من الشراكات والفرص، حيث أعادت الزيارة التي قادها جلالة الملك عبدالله الثاني إلى عدة دول في شرق آسيا فتح أبواب واسعة للشراكات الاستراتيجية والتعاون الاقتصادي والاستثماري والتقني والعملي والفني، مع قوى تمتلك إرادة النمو وقدرة الابتكار، ومع ما يشكله هذا الانفتاح من فرصة مفصلية، إلا أنها قد تظل معلقة ما لم تتحرك مؤسساتنا وقطاعاتنا كافة لاستغلال هذه الفرصة وتوظيفها وتعظيم الاستفادة منها لصالح الاقتصاد الوطني.
المشرق الآسيوي الذي يشكل اليوم مركزَ ثقل عالمي باقتصاداته واستثماراته وفرصه وأسواقه الواسعة وسياساته الهادئة وتقنياته المتقدمة، ولئن فتح الملك الأبواب، فإن السؤال الذي يواجهنا هو: ماذا نفعل حتى تتحول هذه الأبواب إلى جسور؟ وكيف نجعل من الزيارات الملكية روافع اقتصادية تلمسها يد المواطن والمستثمر والعامل والباحث والمنتج؟
في الصناعة، المطلوب تحديث خطوط الإنتاج، ورفع الجودة، وإدماج التكنولوجيا المتقدمة، وبناء شراكات بحثية مع المعاهد التقنية والجامعات الآسيوية، وتهيئة العمالة الأردنية لاكتساب مهارات جديدة، فالصناعة الأردنية قادرة على التوسع إذا استوعبت معايير تلك الأسواق واستفادت من برامج التدريب ونقل المعرفة التي يمكن أن توفرها الشراكات المقبلة.
وفي التجارة، علينا تجاوز الاعتماد التقليدي على أسواق محدودة، والتوجه نحو اتفاقيات جديدة مع دول تمتاز بنمو الاستهلاك وقدرة الاستيراد، وهو ما يتطلب بنى لوجستية متطورة، ومعايير جودة منسجمة مع التشريعات الآسيوية، ودورا أقوى لغرف التجارة والصناعة في بناء صلات مباشرة مع الشركات هناك.
أما الاستثمار، فيحتاج إلى عقلية مبادرة، وحوافز مستقرة، وتشريعات مرنة، وسرعة في الإجراءات، فالمستثمر الآسيوي يبحث عن بيئة موثوقة، والأردن قادر على أن يكون منصة إقليمية قادرة على جذب الصناعات المتقدمة وسلاسل الإمداد العالمية إذا أحسن ترتيب بيئة الاستثمار والأعمال وربطها برؤية اقتصادية واضحة.
وفي التكنولوجيا والابتكار تبدو الفرصة أكبر، فنحن أمام دول تصنع المستقبل في الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والاتصالات والروبوتات والصناعات الدوائية، وعليه فإن المطلوب حاضنات ابتكار أقوى، ونقل مضمون للمعرفة، وبرامج مشتركة بين الجامعات الأردنية والآسيوية، لتوطين المهارات وتعزيز مكانة الأردن في اقتصاد المعرفة.
وتأتي السياحة، بما فيها السياحة العلاجية، كقطاع قادر على الاستفادة المباشرة من الانفتاح على شرق آسيا، خاصة وأن هذه الدول تمتلك أسواقا ضخمة تبحث عن وجهات آمنة وطبية متقدمة، بيد أن المطلوب خطط تسويق أكثر احترافية، وبنى فندقية وصحية متطورة، واتفاقيات مع شركات الطيران، وتوسيع عروض المنتج السياحي والطبي، بما يجعل الأردن مركزا جاذبا للسياحة الترفيهية والدينية والعلاجية في آن واحد.
وفي الزراعة، نحن بحاجة إلى شراكات تقنية تزيد كفاءة الإنتاج المائي والسماد العضوي والزراعة الذكية، وتفتح أبوابا لتصدير المنتج الأردني بوصفه منتجا ذا قيمة غذائية عالية، وبما أن الدول الآسيوية تمتلك خبرة واسعة في الزراعة الحديثة وإدارة الموارد، فيمكن للتحالفات الذكية معها أن ترفع قدرة الأردن على تحقيق أمنه الغذائي.
ثم تأتي قطاعات إضافية لا تقل أهمية؛ كالتعليم العالي، والبحث العلمي، والطاقة، والصناعات الغذائية، والدوائية، والتعدين، والخدمات المالية، والنقل، والاتصالات، والاقتصاد الرقمي، والثقافة والفنون، والسياحة. وكل هذه القطاعات قادرة على الدخول في شراكات إذا أحسنت التخطيط وقدمت نفسها بقدرة تنافسية.
أما دور الحكومة، فهو أن تضمن بيئة تشريعية واستثمارية مستقرة ومحفزة ورقمنة شاملة وإجراءات سريعة، بينما القطاع الخاص مطالب بروح المبادرة، وتشكيل وفود اقتصادية متخصصة، ووضع خطط عمل تستفيد من الانفتاح الجديد.
ويبقى الإعلام حلقة مركزية، فهو الجسر الذي يشرح ويوضح ويحفز ويواكب، ويحوّل الرؤية إلى وعي جمعي قادر على دعم التحول، عبر الخطاب المهني الذي يعرض الفرص، ويكشف التحديات، ويشجع الشركات المحلية على الانخراط في موجة الانفتاح الجديدة.
الملك طرق أبواب المشرق، وفتح أمام الأردن أفقا رحبا وفرصا تحمل وعدا بالمستقبل، وما تبقى مسؤوليتنا جميعا لكي نتقدم بخطوات واثقة، نعيد فيها بناء نموذج اقتصادي منتج، ونفتح الطريق أمام أجيال ترى في الانفتاح قوة، وفي الشراكة جسرا نحو غد أكثر صلابة، فالمهمة مشتركة، والدعوة مفتوحة كي نصنع معا مسارا يليق بوطن يسعى إلى مكانه المستحق تحت شمس هذا العالم المتغير. ــ الراي