أحمد الفرحان أبو هزيم يكتب : دور الجغرافيا في زحزحة الموقف الأمريكي في الشرق الأوسط

هل تلعب الجغرافيا وخصوصا شبه الجزيرة العربية دورا في زحزحة الموقف الأمريكي تجاه القضايا العربية؟؟، فلجغرافية شبه الجزيرة العربية أهمية استراتيجية كبرى، ليس لنفطها وثرواتها وسيطرتها على معابر مائية حيوية فحسب، بل لانها تشكل مستقبلا بديلا لشرق المتوسط أثناء الصراعات العالمية الكبرى المحتملة ان حدثت لا سمح الله،تاريخيا، من وجهة نظر غربية وأوروبية، اكتسب شرق البحر المتوسط أهمية استراتيجية خاصة بسبب قربه من أوروبا ووقوعه وإشرافه على ملتقى ثلاث قارات، وتحَكّمه بعقد مواصلات عالمية وبسلاسل التزويد بين الشرق والغرب، كما اكتسب أهمية عسكرية خاصة لانه يوفر رؤوس جسور بحرية وبدايات لكردورات غزو للقوى الغربية الأوروبية باتجاه الشرق.أمريكيا، من المتوقع ان يبقى القرن الحالي أمريكيا مالم يحصل تحولات ومفاجآت استراتيجية عالمية كبرى تغيّر موازين القوى العالمية. وأمريكياً ما زال شرق المتوسط يكتسب أهمية خاصة وله مكانه الحيوي عند صياغة الاستراتيجية الأمريكية العظمى كحليف للاتحاد الأوروبي، وكمكون رئيسي في حلف شمال الأطلسي وكقوة عالمية عظمى مهيمنة تسعى لإبقاء ولاستمرار هذه الهيمنة. واذا لم يحصل تغيير في بيئة الأحلاف الحالية وانتشار القوات الأمريكية في أوروبا وبقي مضيق جبل طارق متاحا للعبور فإن وصول المدّ الأمريكي الى شرق المتوسط سيبقى متاحا وعل? مقياس واسع في مختلف المجالات وخصوصا العسكرية منها، وسيبقى استخدام المجهود الأمريكي ضمن ومع وبالتنسيق مع التحالفات القائمة هذه.لكن الولايات المتحدة قد تعمل منفردة مع حفاظها على الأحلاف، وهي ليست مؤطرة المناورة ضمن أوروبا او البحر المتوسط، ولديها حرية الحركة خارج نطاق الاتحاد الأوروبي وخارج البحر المتوسط كيفما تقتضي مصالحها الاستراتيجية وخصوصا باتجاه جنوب غرب اسيا وما يليها الى ايران، ومنها شمالا باتجاه روسيا او شرقا باتجاه الصين وهي التهديدات المحتملة من وجهة نظر أمريكية.وفي هذا الاتجاه الحيوي امريكياً، تؤمّن الصفيحة الجغرافية الممتدة بين البحر الأحمر غربا وبحر العرب جنوبا والخليج العربي شرقا (شبه الجزيرة العربية) قاعدة متقدمة ومنطقة جغرافية مثالية لإنزال وبناء القوات (برية كانت ام بحرية ام جوية) بما توفره من سواحل طويلة ومساحات شاسعة محمية بالطبيعة وبالقوات المتوفرة وبما تقدمه من اتجاهات حركة تسهّل الانفتاح شمالا او شرقا، وقد تم استخدام اتجاه الحركة هذا بالفعل اثناء حرب الخليج الاولى والمناورة عليه بفعالية.نُذكِّر، أنه مع بدايات القرن الواحد والعشرين تبدلت أولويات السياسة الأمريكية الخارجية والدفاعية مع ظهور التحديات والتهديدات الجديدة في جنوب شرق آسيا فتعدّلت تبعا لها مواقع القواعد المتقدّمة وخطوط المواصلات إلى الأهداف، فأصبحت الجزيرة العربية بديلا مثاليا، بل هي الأمثل لبناء القوات وتأمين حرية الحركة والإسناد، وتراجعت أهمية سواحل البحر المتوسط لصالح سواحل البحر الأحمر وبحر العرب بالنسبة للقوات الأمريكية القادمة عبر المحيط الأطلسي او جوا او برا من دول الحليفة في المنطقة. ناهيك عن ان شرق المتوسط مازال مسكونا ?الأزمات وتشابك المصالح والعقائد والتاريخ العدائي مما يجعل منه منطقة مأزومة لا يُطمأن لها، بينما تتمتع منطقة الجزيرة العربية بالاستقرار والانسجام والتناغم بشكل عام.كما هو معلوم، تقوم على كامل مساحة هذه الصفيحة الجغرافية (شبه الجزيرة العربية) دول عربية أقل ما يقال انها الشيفرة الجينية للعرب وأصل نشأتهم وتاريخهم وحضارتهم وتمددهم ومهد انطلاقة جيوشهم إلى مشارق الارض ومغاربها وحاضنة عقيدتهم الإسلامية، وهي ما زالت جدارا للصد وذراعا للفعل في القضايا العربية المعاصرة الى جانب الشقيقات العربيات ويعول عليها الكثير.لقد حظيت الدول القائمة على شرق المتوسط باهتمام خاص غربي–أمريكي في الماضي لدرجة أن قال وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر سابقا والرئيس الأمريكي بايدن لاحقا: » لو لم تكن إسرائيل موجودة لاخترعناها »، فإننا نأمل ونتوقع مع انتقال الاهتمام الأمريكي وتغير الاستراتيجيات نحو جنوب شرق آسيا ان تتزحزح تبعا لها الحظوة والاهتمامات الخاصة الى شبه الجزيرة العربية كذلك.ــ الراي