الأخبار

عاطف ابو حجر يكتب : فرحة المعمول

عاطف ابو حجر يكتب : فرحة المعمول
أخبارنا :  

بقلم: عاطف أبوحجر

العيد ليس مجرد يوم، بل هو نكهة طفولة، ورائحة أم، وذاكرة لا تموت...
ومعمول العيد هو عنوان تلك الذكرى، ومرآة الفرح في أعيننا منذ كنا صغارًا.
يوم وقفة عرفات، تحديدًا، كان له نكهةٌ خاصّةٌ في قلوبنا...
كل شيء فيه كان مفعمًا بالبركة، والسكينة، والتآلف.
أتذكّر جيدًا قالب المعمول الخشبي، الذي اشترته والدتي من عند محل "برجوس" كان كبيرًا بحجم كفّ اليد، يُشبه قطعة تراثٍ مقدسة، تُنقش فيها أشهى تفاصيل الفرح.
أما حبة الجوز، فكانت تُملأ داخل حبة معمول بحجم زر الجميد، فلا إسراف ولا زخرفة، بل بساطة تصنع المعجزة.
كانت فعاليّات تحضير المعمول تبدأ منذ ليلة القدر إن كان العيد الصغير (عيد الفطر)، أو منذ اليوم الذي يسبق وقفة عرفات إن كان العيد الكبير (عيد الأضحى).
كانت الحارة كلها تُعلن حالة طوارئ سعيدة...
كل نساء الحارة يجتمعن في بيوت بعضهن لتحضير المعمول، بالعجوة والجوز فقط، لأننا في ذلك الزمان لم نكن نعرف الفستق الحلبي ولا الكاجو، ولا الحشوات الفاخرة والنكهات الغربية، كانت البساطة عنوان الطقوس.
ويا لها من بساطة لذيذة!
حبة معمول مع كأس شاي أو كأس عصير "تنج" كانت تُشكل وجبةً متكاملة، و"الختام مسك" لا يكتمل إلا بفنجان قهوة "صيني" كبير الحجم، ليساعد على الهضم، وترتاح المعدة...
هكذا كنا، وهكذا كانوا... وهكذا تغير كل شيء.
حتى نكهة حبة المعمول اختلفت اليوم.
أصبحنا نشتريها مغلّفة، مزينة، محشوّة بنكهات غريبة، لكنها لا تحمل روحًا... ولا ذكرى.
أما طعم معمول أمي، فلا يزال يفوح في ذاكرتي، وخصوصًا في صباح كل عيد، حين كنا نجتمع كعائلة واحدة في "العقد" ببيتنا الفلاحي في منطقة وادي الأكراد – السلط.
صباح العيد كان صباحًا للحنان، ولصوت ضحكات إخوتي، ولهدير القهوة في الدله النحاسية.
وكل ذلك، في كنف أمّنا، لوحتنا الملائكية، وصاحبة المعمول الأول والأطيب،
التي صبرت، وتعبت، وربّت، حتى رأتنا شبابًا ورجالًا يُفتخر بهم في كل المحافل.
كان العيد بالنسبة لنا أكثر من مجرد يوم على التقويم، إنه فرصة لتجديد الروابط الأسرية والاجتماعية، ولإحياء تقاليدنا التي تعكس عمق ارتباطنا بالتراث والإنسانية.
في تلك الأوقات، كانت النساء يجتمعن في بيتٍ واحد، تتنقل بينهن الفرح والضحكات، وتختلط رائحة عجين السميد اوالطحين بحشوة الجوز او التمر، وتغمر الأجواء دفء المحبة والصفاء.
لم تكن عملية تحضير المعمول مجرد إعداد للحلويات، بل كانت لحظة تعبير عن البركة والتكاتف، تترجم بكل حركة وكل لمسة في "عجينة بس" المعمول قصص الأجيال السابقة وأمانة استمرارها.
وهكذا، بين طيات العيد، نُعيد اكتشاف قيمة البساطة، ونعيش فرحة لا تضاهى، تترك أثرها في النفوس وتُضيء دروب الحياة.
يا أمي... طعم معمولك لا يُنسى.
ذاك النقش الخشبي الذي طبعتيه على حبات العيد، طُبع في قلوبنا قبل أن يُطبع في الذاكرة.
ما زلنا نبحث عن نكهة العيد في كل زاوية... لكننا لا نجدها إلا حين نتذكّرك.
سلامًا من القلب إلى قلبك...
يا من صنعتِ لنا أعيادًا من الحُب، وموائد من البركة، وذكريات لا تنسى.

مواضيع قد تهمك