الأخبار

لما جمال العبسه : «أسعار النفط» رهينة المفاوضات والقرارات الاستراتيجية

لما جمال العبسه : «أسعار النفط» رهينة المفاوضات والقرارات الاستراتيجية
أخبارنا :  

في عالم تتحكم المصالح السياسية والاقتصادية في موارده في قطاع الطاقة، أصبحت أسعار النفط والغاز ساحة مفتوحة للمضاربة والتغيرات غير المتوقعة، فلم يعد العرض والطلب وحدهما المحددين الرئيسيين للأسواق، بل أصبحت قرارات أوبك+، والسياسات التجارية الأميركية، والتوترات الجيوسياسية عوامل تؤدي دورا حاسما في توجيه الأسعار العالمية، ومع تصاعد المنافسة الاقتصادية الجارية الآن وبشدة بين الولايات المتحدة الامريكية والصين والمتمثلة في فرض تعريفات جمركية متبادلة تؤثر على تدفقات التجارة النفطية، دخلت معها الأسواق مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، مما يفرض على الدول المستهلكة والمنتجة إعادة حساباتها الاستراتيجية لضمان أمن الطاقة وتحقيق التوازن بين الاستقلالية الاقتصادية والاستدامة.
أمس قررت منظمة «أوبك+» زيادة الإنتاج ابتداء من الشهر المقبل بهدف الحفاظ على استقرار الاسعار، وعلى الرغم من ان زيادة الإنتاج هذه جاءت في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي وأنها قد تخلق ضغطا هبوطيا على الأسعار، وقد تدفع الأسواق للبحث عن آليات جديدة لتحقيق التوازن بين العرض والطلب، إلا ان الأسواق تلقت القرار بشكل معاكس لترتفع العقود الآجلة بنسب جيدة نوعا ما.
وبالتوازي مع قرارات المنظمة، كانت التعريفات الجمركية الأميركية المفروضة على الصين وأوروبا وهي بالمناسبة تؤدي عكس الدور المأمول منها بالنسبة للاقتصاد الأمريكي بوجه خاص، هذه التعريفات لابد وان تؤثر على تدفقات التجارة النفطية، فمن الممكن ان تلجأ بعض الدول إلى إعادة توجيه استيرادها نحو أسواق جديدة، وقد يؤدي إلى تغييرات في موازين القوى داخل اسواق النفط، خاصة إذا تفاعلت الصين مع هذه السياسات من خلال تعزيز وارداتها من دول «أوبك+» بدلا من الولايات المتحدة.
على جانب آخر، تؤدي الأحداث السياسية، مثل العقوبات الاقتصادية، والتوترات في الشرق الأوسط، والتغيرات في سياسات الطاقة الأوروبية، دورا محوريا في تحديد اتجاهات الأسعار، مثلا، الصراع المستمر بين إيران ودولة الكيان الصهيوني والذي يهدد استقرار الإمدادات النفطية، بينما قد تدفع السياسات الأوروبية نحو الطاقة المتجددة إلى تراجع تدريجي في الاعتماد على النفط التقليدي، ما يخلق تحديات جديدة لمنتجي النفط والغاز.
المؤكد ان أسعار الطاقة لم تعد مجرد أرقام تتحرك وفق آليات السوق التقليدية، بل أصبحت مرآة تعكس صراعات القوى العالمية، فبين قرارات «اوبك+» في إدارة الإنتاج، وفرض التعريفات الجمركية التي تعيد تشكيل تدفقات التجارة، والتوترات الجيوسياسية التي تهدد استقرار الإمدادات، تجد الأسواق نفسها أمام واقع جديد تتداخل فيه المصالح بشكل غير مسبوق.
ومع استمرار المنافسة بين واشنطن وبكين، وسعي أوروبا إلى تأمين مصادر طاقة أكثر استدامة، تبقى معادلة النفط والغاز رهينة المفاوضات والقرارات الاستراتيجية، فهل ستنجح الدول المنتجة في الحفاظ على توازن السوق؟ أم أن التحولات السياسية ستدفع بأسعار الطاقة إلى تقلبات أكثر حدة؟ الإجابة ستظل مرتبطة بمزيج معقد من المصالح الاقتصادية والجيوسياسية التي ستشكل مشهد الطاقة العالمي في السنوات القادمة.

مواضيع قد تهمك