الأخبار

حسام الحوراني : الذكاء الاصطناعي يكتب الشيفرة والبشر يبدعون الفكرة.. وداعاً للمبرمجين التقليديين

حسام الحوراني : الذكاء الاصطناعي يكتب الشيفرة والبشر يبدعون الفكرة.. وداعاً للمبرمجين التقليديين
أخبارنا :  

في عصر تتسارع فيه عجلات التكنولوجيا بسرعة تفوق تصور العقل البشري، يقف العالم اليوم على أعتاب ثورة جديدة تقودها نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، والتي بدأت تغير ليس فقط طريقة تفكيرنا، بل طريقة تعاملنا مع المهام التقنية الأكثر تعقيدًا، وعلى رأسها البرمجة. لطالما كانت البرمجة مهارة نادرة تتطلب سنوات من التعلم والممارسة، لغة يتحدثها قلة من المختصين، يتعاملون مع الشيفرات كما يتعامل الشعراء مع الكلمات. لكن، يبدو أن هذا الاحتكار المعرفي في طريقه للزوال. فالذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة مساعدة، بل تحول إلى شريك مبرمج، بل في بعض الأحيان، إلى المبرمج ذاته.
نماذج الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT وCopilot وCodeWhisperer أصبحت قادرة على كتابة الشيفرات البرمجية بمختلف لغاتها، تصحيحها، تحسين أدائها، وشرحها بلغة بشرية بسيطة. كل ما تحتاجه هو أن تشرح فكرتك بلغة طبيعية، فيقوم الذكاء الاصطناعي بتحويلها إلى كود جاهز للتنفيذ. الأمر الذي جعل من البرمجة مهارة «تفاهم» بدلاً من مهارة «كتابة». هذا التحول لا يقل أهمية عن لحظة اختراع الكهرباء أو الإنترنت، فكما ألغى اختراع الطباعة الحاجة إلى النساخ، وألغى الإنترنت الحاجة إلى مراكز المعلومات، فإن الذكاء الاصطناعي في طريقه لإلغاء الحاجة إلى المعرفة التقنية العميقة لتنفيذ الأفكار الرقمية.
بفضل الذكاء الاصطناعي، أصبح بإمكان مصمم جرافيك أو معلم أو رائد أعمال أن يبني موقعًا إلكترونيًا أو تطبيقًا بسيطًا دون أن يكتب سطرًا واحدًا من الكود. التقنيات الحديثة تترجم الأفكار إلى تعليمات برمجية، وتُنفذ المهام المعقدة بضغطة زر. هذه القدرة الجديدة تعني ببساطة أن البرمجة لم تعد حكرًا على النخبة، بل أصبحت مهارة شاملة، يمكن لأي شخص استخدامها لتحقيق أهدافه دون عناء تعلم لغات برمجة معقدة.
ورغم هذا التطور، فإن تعلم البرمجة لن يختفي تمامًا، بل سيتحول في شكله ومضمونه. فبدلاً من التركيز على كتابة الشيفرة، سيتعلم الناس كيف يفكرون منطقياً، ويصممون الحلول، ويتواصلون مع الأنظمة الذكية بطريقة فعالة. المبرمج في المستقبل لن يكون مجرد كاتب للأوامر، بل قائد لفريق من الأنظمة الذكية التي تنفذ المهام بفعالية ومرونة.
شركات التكنولوجيا بدأت تعيد هيكلة فرقها التقنية، إذ لم يعد من الضروري توظيف جيوش من المهندسين لكتابة كل سطر برمجي. ما يُطلب اليوم هو عدد أقل من المطورين القادرين على توجيه الذكاء الاصطناعي، فهم «قادة الآلات»، يضعون الأهداف ويحددون المعايير، بينما تتولى الآلة التنفيذ. هذا التحول فتح الباب لظهور وظائف جديدة بالكامل، مثل مهندس التعليمات التلقائية ومحلل سلوك النماذج الذكية، وهي مهن لم تكن موجودة منذ بضع سنوات فقط.
في العالم العربي، تمثل هذه التحولات فرصة لا تُقدّر بثمن. بدلاً من تكرار مسارات تعليمية طويلة وشاقة في لغات البرمجة، يمكننا الاستثمار في تدريب الشباب والفتيات على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لبناء تطبيقات، منصات، وأعمال رقمية بسرعة وكفاءة. يمكن لشاب في عمّان أو فتاة في صعيد مصر أن يطورا حلولًا تقنية عالمية دون أن يكونوا قد درسوا علوم الحاسوب تقليديًا.
ورغم هذا الازدهار، يظل السؤال الحتمي: هل سيخسر المبرمجون وظائفهم؟ الجواب ببساطة هو أن المبرمج الذي يرفض استخدام الذكاء الاصطناعي هو من سيكون مهددًا. المنافسة اليوم ليست بين البشر، بل بين الإنسان المدعوم بالذكاء الاصطناعي، والآلة التي تتطور بسرعة غير مسبوقة. لذلك، البقاء سيكون للأكثر قدرة على التكيف، وليس فقط للأكثر علمًا.
الذكاء الاصطناعي لا يأتي كبديل للإنسان، بل كقوة تضاعف إمكانياته. نعم، سنقول وداعًا للبرمجة بالشكل التقليدي، لكننا نرحب بعصر جديد من برمجة الأفكار، والتفاعل الفوري مع التقنية، وابتكار الحلول دون حدود. إنها لحظة تاريخية ننتقل فيها من كتابة الشيفرة إلى قيادة الموجة، من تقييد الأفكار بإمكاناتنا، إلى إطلاقها عبر الذكاء الاصطناعي. لقد حان الوقت لنفكر، لا لنُشفّر. لنبتكر، لا لنُكرّر. فقد بدأ عصر جديد تُكتب فيه الشيفرات بأفكار البشر، وتُنفذها عقول إلكترونية تفهمنا بلغة الطبيعة.

مواضيع قد تهمك