الأخبار

فارس الحباشة : اللاسامية وإبادة الفلسطينيين

فارس الحباشة : اللاسامية وإبادة الفلسطينيين
أخبارنا :  

المنتدى اليهودي لمكافحة معاداة السامية اعترف بارتفاع أعداد الحوادث التي وقعت خلال حرب غزة، والتي تُؤشِّر إلى تصاعد في معاداة السامية.

وتتوزع الحوادث في القارة الأوروبية وأمريكا. وما نشره المنتدى حول المسألة يبقى في نطاق الرصد، وأما التحليل، فهو عادة خارج النص والسياق.

ولأنه لا بد من الاعتراف بأن ارتفاع الحوادث ضد اليهود في العالم سببه تلك المشاهد المأساوية التي تنقلها شاشات الإعلام، وخصوصًا حرب الإبادة والتجويع والتهجير في غزة، وقتل الأطفال والنساء، وتدمير المدارس والمستشفيات، والمساجد والكنائس، وانعدام أبسط أدوات الحياة.

الأسبوع الماضي، أقدم الأستاذ الجامعي الأمريكي إلياس رودريغر على إطلاق الرصاص على دبلوماسي إسرائيلي وموظف في السفارة الإسرائيلية في واشنطن.

ورُصِد في فيديو يهتف «فلسطين حرة». ومنفذ العملية ليس مسلمًا ولا عربيًا ولا فلسطينيًا، وإنما أمريكي من أصول لاتينية.

وما فعله شبيه بما قام به الطيار الأمريكي آرون بوشنيل عندما أحرق نفسه أمام سفارة إسرائيل في واشنطن، وذلك احتجاجًا على الإبادة والمجازر المرتكبة في غزة، ورفضًا لمشاركة أمريكا في الجريمة وتزويد الجيش الإسرائيلي بالسلاح والذخائر والأموال، وتقديم غطاء استخباراتي والتصدي لكل محاولة محاسبة ومساءلة لإسرائيل.

والطيار بوشنيل، كان يعلم بالدور الأمريكي والمشاركة العسكرية في حرب غزة، وأن طيارين أمريكيين ساعدوا وشاركوا في الجريمة.

وما صدر من بيانات استنكار وإدانة واتهام بالعداء للسامية ليس مهمًّا، والأخيرة باتت تهمة خشبية جاهزة، ولن يغير ذلك من حقيقة أن ما فعله رودريغر كان فعلًا احتجاجيًّا يُعبِّر عن اليأس الذي أصاب آلاف الناشطين الذين تفجروا غضبًا في المطالبة بوقف الحرب على غزة، حيث لا أفق تتيحه السياسة والدبلوماسية، ولا الوصول إلى حلول وإعلان وقف لإطلاق النار، كما أن الاحتجاجات في أمريكا وأوروبا يتم قمعها، وصراخ المحتجين يبدو أنه غير مسموع، وآذان حكومات العالم المتحرر والمتحضر تصمّ عن سماعه.

وقد دخلت الحرب على غزة شهرها العشرين. وأمام حرب إبادة وجرائم ومجازر إسرائيلية، وأكوام من الأطفال جثثهم تتراكم في العراء، وتنهشها الكلاب والغربان، فإن أكثر ما يشغل حكومات دول أوروبية وأمريكا، ودول صديقة لأمريكا وإسرائيل، هو مصير الأسرى الإسرائيليين في غزة.

ويتجاهلون هول العدوان والإبادة والدمار، ويتصرفون بمعايير مزدوجة تنظر إلى الإنسان الفلسطيني بدونية، وأن الفلسطيني لا يخضع لمعايير قانونية وأخلاقية لا يجري تطبيقها على الإنسان الغربي والإسرائيلي.

معيار عنصري. ويتمسكون في تصدير تهم جاهزة تحت عنوان خشبي وبائد، وهو العداء للسامية. ما يحدث في غزة هو إبادة ومجازر وجريمة حرب تتحمل مسؤوليتها إسرائيل وأمريكا ودول الغرب، والغضب والعنف قد يجتاح العالم، ويتفجر من مدينة إلى أخرى، وهو ناجم عن شعور بالعجز والإحباط واليأس الإنساني، ولأن الحكومات وأصحاب القرار لا يريدون أن يسمعوا، بل إنهم يسمّون الصراخ الإنساني إرهابًا وعداءً للسامية.

في سبعينيات القرن الماضي، تحولت عواصم ومدن أوروبية إلى ساحات موازية للعمليات الفدائية، وما تُسمَّى إرهابية في القاموس الأمريكي والأوروبي، وخطف طائرات، واغتيال شخصيات، وأكثرها كان ناتجًا عن غضب وإحباط من انسداد الأفق السياسي أمام الحل والتسوية للقضية الفلسطينية.

وطبعًا، هي أعمال فدائية تختلف عن تفجيرات داعش والقاعدة. واليوم تطلّ برأسها من جديد، وتختلف عن مراحل سابقة في النضال الفلسطيني، وإذا ما بقي الصراخ الإنساني يُنثر في الهواء، ولا أحد يسمعه، ولا يجد أي فرصة سياسية لالتقاطه، بالإضافة إلى إنكار المجازر والإبادة والمكابرة على الدم والتضحية الفلسطينية. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك