الدكتور محمد العشي : في عيد الاستقلال الأردني الـ٧٩ : قرار تاريخي بالسماح للأردنيين بالسفر إلى سوريا دون موافقة مسبقة

بقلم: الإعلامي الدكتور محمد العشي :
في خطوة تحمل أبعادًا وطنية واستراتيجية بالغة الأهمية، أصدرت وزارة الداخلية الأردنية قرارًا رسميًا بالسماح للمواطنين الأردنيين بالسفر إلى الجمهورية العربية السورية عبر المعابر الحدودية كافة، دون الحاجة إلى الحصول على موافقة مسبقة، شريطة ألا تكون هناك موانع أمنية تحول دون ذلك.
هذا القرار الذي صدر بتاريخ 25 أيار 2025، تزامن مع احتفالات الأردن بعيد الاستقلال التاسع والسبعين، ليضفي عليه طابعًا رمزيًا يوحي بالثقة المتبادلة بين المواطن والدولة، ويجسد روح الانفتاح المدروس الذي تعتمده المملكة بقيادتها الهاشمية الحكيمة.
زاوية وطنية: قرار يعزز ثقة المواطن بوطنه
في الوقت الذي تتجه فيه الشعوب نحو التحرر من القيود غير الضرورية، يأتي هذا القرار ليمنح الأردنيين شعورًا متجددًا بالحرية والتنقل الآمن، ويعزز العلاقة بين المواطن ومؤسسات الدولة. فهو لا يمثل فقط تسهيلًا إداريًا، بل يُعد تعبيرًا عن احترام الدولة لحق مواطنيها في التنقل والارتباط الإنساني والاجتماعي.
زاوية أمنية: تسهيل لا يتنافى مع الحذر
رغم إلغاء شرط الموافقة المسبقة، إلا أن القرار لم يغفل أهمية الأمن الوطني، حيث نصّ بوضوح على أن السفر مشروط بعدم وجود موانع أمنية. وهذا يعكس فلسفة أردنية ثابتة: التيسير لا يعني التسيب، والمرونة لا تعني التفريط. فالأمن باقٍ كأولوية، لكن في إطار إنساني يحفظ الكرامة.
زاوية إنسانية: تيسير لقاء العائلات ورفع المعاناة
لطالما واجه كثير من الأردنيين، خاصة من أصول سورية أو من تربطهم علاقات عائلية هناك، صعوبات في استصدار الموافقات المسبقة. هذا القرار يُنهي معاناة إنسانية استمرت لسنوات، ويعيد الروابط العائلية إلى طبيعتها، ويخفف الضغط النفسي عن الكثير من الأسر المقسومة بين الضفتين.
زاوية اقتصادية: فرصة لتنشيط التبادل
القرار من شأنه أن يسهم في تنشيط الحركة التجارية والسياحية بين البلدين، ويفتح الباب أمام فرص اقتصادية متعددة تشمل قطاع النقل، والتجارة البينية، والسياحة العلاجية. وهو ما يصب في صالح الاقتصاد الأردني، خصوصًا في المناطق الحدودية التي تأثرت سابقًا بالإغلاق أو القيود.
زاوية اجتماعية: استجابة لنبض الشارع
لطالما شكّل هذا الموضوع محور نقاش بين المواطنين، وورد في شكاوى ومطالبات متعددة. صدور القرار الآن يؤكد أن وزارة الداخلية تتابع نبض المجتمع، وتتحرك استجابة لتحديات الناس، لا سيما أن الأمر لا يتعلق بفئة محددة بل بطيف واسع من المواطنين.
زاوية سياسية ودبلوماسية: مؤشر على مرونة السياسة الخارجية
يعكس القرار كذلك مرونة السياسة الأردنية تجاه سوريا، وحرصها على ترميم الجسور دون المساس بالمصالح الوطنية. فهو لا يعني بالضرورة تغيرًا في الموقف السياسي العام، لكنه خطوة في مسار تطبيع العلاقات التدريجي القائم على التوازن، والمصالح المشتركة، واحترام السيادة.
زاوية رمزية: توقيت ذكي في لحظة استقلال
أن يصدر القرار في عيد الاستقلال الأردني ليس تفصيلًا عرضيًا. إنه رسالة سياسية داخلية وخارجية، تقول إن السيادة الأردنية تترجم في قدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة، وإن كرامة المواطن جزء لا يتجزأ من هوية الدولة الحرة المستقلة.
خاتمة: سياسة متزنة تقود إلى أفق أرحب
ما قامت به وزارة الداخلية ليس مجرد تعديل في الإجراءات، بل هو تجسيد لفلسفة إدارية جديدة تقوم على التيسير والاحترام والربط بين الإنسان والأرض. وهي خطوة تستحق التقدير في توقيت حساس، وتعكس ثقة متبادلة يجب أن تزداد رسوخًا في ظل التحديات الإقليمية.
قرار كهذا لا يُقرأ فقط من زاويته الإجرائية، بل يُكتب كفصل جديد في كتاب العلاقة بين الدولة ومواطنيها، وفي رواية الانفتاح الأردني المتزن على محيطه، بقيادة واعية وشعب يستحق الأفضل دائمًا.