الأخبار

أ. د. ليث كمال نصراوين : ​​​​​​​نهضات دستورية بعد إعلان الاستقلال: السلطة التشريعية (1/3)

أ. د. ليث كمال نصراوين : ​​​​​​​نهضات دستورية بعد إعلان الاستقلال: السلطة التشريعية (13)
أخبارنا :  

شهدت الدولة الأردنية منذ إعلان استقلالها في عام 1946 نهضة دستورية شاملة امتد نطاقها ليشمل السلطات الثلاث فيها؛ التشريعية والتنفيذية والقضائية، والتي خضعت لمراجعة جوهرية عبر السنين الماضية للنصوص الناظمة لتشكيلها وطبيعة المهام والأعمال التي تقوم بها. فأولى هذه السلطات الدستورية التي لحقها تطور ملحوظ منذ نشأة إمارة شرق الأردن وحتى صدور الدستور الحالي بعد الاستقلال؛ السلطة التشريعية ممثلة حاليا بمجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب والملك.
فالسلطة التشريعية بموجب القانون الأساسي لعام 1928 كانت تناط بالمجلس التشريعي والأمير، وكان المجلس التشريعي يتألف من ممثلين منتخبين وفقا لقانون الانتخاب، بالإضافة إلى عضوية رئيس الوزراء ومجلس الوزراء الآخرين الذين لم ينتخبوا كممثلين فيه، بشكل لا يمكن معه القول إنه بوجود فصل حقيقي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
ولم يقتصر نطاق هذا التداخل في «دستور» عام 1928 على مجرد العضوية، بل امتد إلى أكثر من ذلك، حيث كان رئيس الوزراء هو من يترأس اجتماعات المجلس التشريعي أثناء حضوره، وفي حال غيابه كان يترأس الجلسات من يعينه الرئيس لهذه الغاية من الأعضاء غير المنتخبين. وإذا لم يحصل هذا التعيين، كان يرأس الاجتماع أكبر أعضاء المجلس التشريعي مقاما من غير المنتخبين.
وكانت القوانين تصدر عن المجلس التشريعي بأكثرية أصوات الأعضاء الحاضرين ما عدا رئيسه، وهو رئيس الوزراء عند حضوره أو من يختاره عند غيابه. وكانت الصلاحية التشريعية للمجلس مقيدة بإقرار القوانين الضرورية من أجل المحافظة على الحكم والنظام العام، شريطة أن تراعي الالتزامات العهدية لسمو الأمير وأن يوافق عليها المعتمد البريطاني في بعض الحالات. وكانت هذه القوانين يجري إرسالها إلى الأمير للتصديق عليها، والذي أعطاه القانون الأساسي سنة كاملة من تاريخ رفعها إليه للموافقة عليها.
وعلى الصعيد الرقابي، لم يكن للمجلس التشريعي أي صلاحيات رقابية حقيقية على الوزراء وذلك بحكم عضويتهم في المجلس، فكان يقتصر دور العضو على أن يطرح على بساط البحث في المجلس أية مسائل لها صلة بالإدارة العامة.
وقد شهدت السلطة التشريعية تطورا إيجابيا في دستور عام 1946، فجرى إنشاء مجلس أعيان إلى جانب مجلس النواب، والذي كان يتألف من عدد لا يتجاوز نصف أعضاء مجلس النواب بمن فيهم الرئيس يعينهم الملك من الحائزين على ثقة الجمهور واعتماده بأعمالهم وخدماتهم للأمة والوطن. وكانت مدة العضوية في مجلس الأعيان ثماني سنوات يتجدد اختيار نصفهم كل أربع سنوات بالاقتراع من قبل أعضاء المجلس أنفسهم، وكان يجوز إعادة تعيين من سقط منهم بالاقتراع.
أما مجلس النواب في دستور 1946، فقد اقتصرت العضوية فيه على الأعضاء المنتخبين من قبل الشعب ولم يعد رئيس الوزراء والوزراء أعضاء فيه، إلا أن المشرع الدستوري أعطى الملك الحق بأن يعين رئيسا للمجلس النيابي لمدة سنة واحدة وله الحق في إعادة تعيينه.
وعلى الصعيد التشريعي، فقد جرى تكريس الحق لأعضاء مجلس الأمة من أعيان ونواب في إقرار القوانين ورفعها إلى الملك للتصديق عليها دون أية قيود غير موضوعية على مضامينها، وإن كان المشرع الدستوري قد أبقى على المدة الزمنية ذاتها التي جرى تقريرها في عام 1928، حيث أعطى الملك مدة سنة كاملة للموافقة على مشاريع القوانين التي تحال إليه.
وعلى صعيد الوظيفة الرقابية للسلطة التشريعية في دستور 1946، فقد قصرها المشرع الدستوري على مجرد تقرير الحق لأي عضو من أعضاء المجلس بأن يطرح على بساط البحث أية مسألة تتعلق بالإدارة العامة، والسبب في ذلك أن الوزراء في ذلك الوقت كانوا مسؤولين مباشرة أمام الملك.
واليوم في عهد الدستور الحالي لعام 1952، فقد جرى تكريس عناصر النظام النيابي البرلماني الكامل القائم على أساس وجود مجلس نواب منتخب من الشعب يمارس صلاحيات تشريعية فعلية حقيقية إلى جانب مجلس الأعيان المُعين من الملك دون وجود أي عنصر انتخاب فيه.
وأصبح اختيار رئيس مجلس النواب من حق النواب أنفسهم بالاقتراع الداخلي فيما بينهم، وجرى تقصير المدة الزمنية المقررة للملك للتصديق على القوانين لتصبح ستة أشهر فقط يترتب على انقضائها اعتبار القانون نافذا. كما أعطى المشرع الدستوري أعضاء مجلس الأمة الحق في الإصرار على أي مشروع قانون يرفضه الملك بحيث يصبح نافذا إذا ما أصروا على الموافقة عليه.
وفيما يخص الجمع بين عضوية مجلسي الأعيان والنواب من جهة والسلطة التنفيذية من جهة أخرى، فقد كان الدستور الحالي يجيز ذلك حتى عام 2022 عندما جرى تعديل المادة (52) من الدستور لصالح الحكم بعدم جواز الجمع بين عضوية الوزير في الحكومة وفي أي من مجلسي الأمة.
وعلى صعيد الرقابة السياسية، فقد جرى إطلاق الوظيفة الرقابية لأعضاء مجلسي الأعيان والنواب في دستور 1952 مع مراعاة الاختلاف في تشكيل كل منهما؛ فتقرر للنواب المنتخبين سلطة توجيه الأسئلة والاستجوابات للوزراء وطلب طرح الثقة بهم، في حين اقتصر نطاق المسؤولية الوزارية أمام مجلس الأعيان على مجرد توجيه الأسئلة والاستجوابات.
إن النهضة الدستورية التي شهدتها السلطة التشريعية بعد إعلان الاستقلال واضحة وجلية، ومستمرة حتى يومنا هذا، حيث تقرر إعادة النظر في تشكيلها لصالح اعتماد التمثيل الحزبي كقاعدة عامة، وذلك كثمرة من ثمرات التحديث السياسي الذي انطلق في عام 2021.
أستاذ القانون الدستوري وعميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة

ــ الراي
laith@lawyer.com

مواضيع قد تهمك