الأخبار

د. عمار محمد الرجوب : في استقلال المعنى.. الوطن الذي يسكننا

د. عمار محمد الرجوب :  في استقلال المعنى.. الوطن الذي يسكننا
أخبارنا :  

ي الخامس والعشرين من أيار، لا نُشعل شموعًا... بل نُشعل أرواحنا. لا نُردّد شعارات، بل نهمس باسم الوطن في سِرّنا كمن يصلّي. الاستقلال ليس مناسبة؛ بل امتحان يومي للكرامة، ومرآةٌ نُراجع فيها ملامحنا كأردنيين... هل ما زلنا كما أرادنا الشهداء؟ هل ظلّت الأرض فينا؟ هل بقينا للعلم سدنة، وللراية ظلًّا لا ينكسر؟
قال جلالة الملك عبدالله الثاني:
"الأردني لا يعرف المستحيل، لأنه وُلد من رحم الكبرياء، ونشأ على صهوة المجد».
وفي هذا القول تتجلّى معادلة الأردني الأزلية: قليلٌ من الموارد، كثيرٌ من العزيمة؛ وطنٌ صغير المساحة، عظيم الرسالة. هذه البلاد لم تُبْنَ على صدفة جغرافية، بل على إرادةٍ تُشبه صلاة الأمهات في ليالي الحرب... وعلى صبر الجنود في خنادق العز.
في العيد التاسع والسبعين للاستقلال، لا نُحصي سنوات بقدر ما نُحصي المعاني... كل عامٍ مضى، كان درسًا في البقاء، وكل فجر جديد هو صفحة نخطّها نحن بالعرق لا بالحبر.
من لا يرى في الأردن فلسفة حياة، سيظلّ يتعامل معه كجغرافيا محايدة. لكن من عاش فيه بقلبه، يعرف أن كلّ زاوية منه تحفظ قصة كفاح، وأنّ ترابه لا يُشبه إلا وجوهنا: صلبة، عنيدة، مشقّقة بالأمل.
وليس غريبًا أن يظلّ الأردن، رغم العواصف التي عصفت من حوله، راسخًا كجبل، نقيًّا كدعاء، شامخًا ككلمة حقّ في زمن التشويه. فاستقلال الأردن لم يكن غنيمةً تاريخية، بل اختيارًا وجوديًا. كلّ ما فيه صُنِع بالتحدّي... الأمن، الكرامة، التعليم، الجيش، والراية. وكلّ ما سيأتي يجب أن يُصان بالبصيرة لا بالعاطفة وحدها.
فنحن لا نعيش على الماضي، بل نستلهمه لنفهم الحاضر ونكتب المستقبل، لا كمتفرجين، بل كصانعي قرار، كمواطنين في وطنٍ يُشبهنا ويكبر بنا.
وأقول أنا: «أن تكون أردنيًا، يعني أن تكتب اسمك بالحبرِ الحرّ على جبين الشمس، وأن تتنفّس كرامتك ولو اختنق العالم».
وفي ظلّ هذا الوطن، لا نملك إلا أن نغني من قلوبنا ونكتب شعرًا:
وطني إذا ما هبّت الروح وانكتمت
كنتَ الصدى والبُعدَ والعشقَ والمطرْ
نحيا إذا ناديتنا... نفنى إذا خذلوك
تبقى على جرح الزمانِ كما القمرْ

مواضيع قد تهمك