الأخبار

د. ناديا نصير : الأردن.. كرامة تتجدّد في وجه العواصف

د. ناديا نصير : الأردن.. كرامة تتجدّد في وجه العواصف
أخبارنا :  

لا تُقاس قيمة الأوطان بعدد الحروب التي خاضتها فقط، بل بعدد المرات التي وقفت فيها على قدميها، رغم كل ما حاول أن يكسِرها. وهذا ما يجعل الأردن مختلفًا: وطن يعرف متى يصبر، ومتى يتكلم، ومتى ينهض... دون ضجيج، لكن بثقةٍ لا تهتز.

في الخامس والعشرين من أيار، لا نحتفل فقط بانسحاب قوّة أجنبية عن أرضنا، بل نحتفل بولادة وعيٍ سياسيّ وإنسانيّ صنعه الأردنيون بقيادة الهاشميين.

فالاستقلال هنا لم يكن «خروج محتل»، بل كان «دخول شعب إلى وعيه»، إلى قدره، إلى حقّه في أن يكون.

علم النفس السياسي يؤكّد أن الاستقلال الحقيقي هو عندما يتحرر الإنسان داخليًا أولًا. من الخوف، من التبعية، من الدونية، من الشعور بأن القرار يُصنع هناك وليس هنا.

وهذا ما فعله الأردنيون بعد 1946: أعادوا تعريف السيادة كمسؤولية مشتركة لا كهدية من السماء.

ووسط صحراء من الأزمات، وفي منطقة ما تزال بعض دولها تبحث عن هوية أو دستور أو أمان، كان الأردن هو الوطن الذي اختار أن يكبر بالعقل لا بالصوت العالي.

أن يُحكَم بالقانون لا بالانقلاب.

أن يحيا على الكفاف إن لزم، لكن بكرامة لا تُشترى.

كل مؤسسات الدولة الأردنية نشأت بعد الاستقلال لتكون أدوات بناء، لا أدوات هيمنة. فالمعلم الأردني لم يكن موظفًا، بل كان جنديًا في معركة الوعي. والطبيب لم يكن فنيًا، بل إنسانًا يحمل الأمل في عيونه. والقاضي لم يكن سلطة، بل ضميرًا واقفًا في وجه الظلم. لكن الأهم، أن المواطن الأردني نفسه صار شريكًا في مشروع الدولة. وهذا ما يصنع الفارق بين وطن وآخر: أن يشعر الفرد أن له دورًا، وأن صوته يُسمع، وأن كرامته لا تُدهس.

لقد بنى الأردنيون دولتهم على التدرج لا الطفرة.

فلم يكن هناك نفط، ولا بحر، ولا ذهب.

لكن كان هناك ما هو أثمن: قيادة شرعية، وشعب واعٍ، وأرض نقية. اليوم، بعد 79 عامًا من الاستقلال، نعيش تحديات من نوع جديد. تحديات اقتصادية، وتكنولوجية، وثقافية، لكن التحدي الأخطر هو:

هل سنحافظ على قيمة الاستقلال في عقول الجيل الجديد؟

هل سنُربّي أبناءنا على أن الوطن ليس فقط مكانًا نسكنه، بل كيانًا نحميه وننتمي إليه ونرتقي به؟

إلى العائلة الهاشمية... شكرًا لأنكم كنتم الأوفياء للحلم

من الملك عبدالله الأول، الذي حلم بدولة عربية لا تتجزأ، إلى الحسين الذي وقف في وجه كل ريح، إلى الملك عبدالله الثاني الذي يخوض معركة الكرامة اليومية بهدوء القائد وقوّة الإيمان، نحن أمام سلالة لم تتخلّ عن رسالتها يومًا، رغم كل التغيرات والصراعات. أنتم لستم فقط قادة حكموا، بل أنتم عائلةٌ آمنت أن الإنسان أغلى ما نملك، وأن الأردن ليس نقطة على الخارطة بل رسالة في قلب العالم.

إلى الأردنيين جميعًا...

أنتم حراس هذا الاستقلال.

أنتم الحائط الذي يحمي البيت، والصوت الذي يُعلي الحقيقة. أنتم من علّمتم الدنيا أن القلوب المليئة بالإيمان لا تُهزم، حتى لو خلت الجيوب.

أنتم من قاوموا بالفكرة، لا بالفتنة.

ومن وقفوا صفًا واحدًا حين تفرّق غيرهم.

كل امرأة أردنية تعلّم أبناءها حب الوطن، هي شريكة في صناعة الاستقلال. كل شاب لا يستسلم رغم صعوبة الحياة، هو شهيد حيّ في معركة الكرامة اليومية. وكل مسؤول صادق، هو جندي يزرع في مؤسسته بذرة الإصلاح.

في يوم الاستقلال، نقف لنقول:

نحن لا نطلب وطنا مثالياً، بل وطنًا نحبّه بكل ما فيه... ونعمل لنُصلحه. نحن لا نقدّس التراب فقط، بل نحترم الإنسان الذي يعيش عليه. ونحن نعلم أن المستقبل قد يكون صعبًا... لكنه لن يكون مستحيلًا، طالما فينا قلبٌ ينبض باسم الأردن.

كل عام وأنت بخير يا وطني.

كل عام وأنت شامخ رغم كل شيء.

وكل عام ونحن نستحقك أكثر.

*دكتورة نفسية

مواضيع قد تهمك