الأخبار

د محمد كامل القرعان : الاستقلال: ركيزة السيادة وبناء الأمم

د محمد كامل القرعان : الاستقلال: ركيزة السيادة وبناء الأمم
أخبارنا :  

في لحظات مفصلية من تاريخ الشعوب، تتجلى معاني الحرية والسيادة، ويُكتب فجر جديد من العزيمة والإرادة. عيد الاستقلال ليس مجرد تاريخ على التقويم، بل هو نبض الأمة، وذاكرة شعب، ورؤية وطنية تتجدد مع كل عام. في هذا اليوم، نحتفل بما تحقق من إنجازات، ونتأمل في التحديات التي واجهناها، ونتطلع إلى المستقبل بعزيمة لا تلين.

الاستقلال من أسمى القيم التي تسعى إليها الأمم والشعوب، فهو لا يقتصر على التحرر من الاستعمار، بل يمتد ليشمل القدرة على اتخاذ القرارات الداخلية والخارجية بحرية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف المجالات. لم يكن الاستقلال مجرد لحظة تاريخية، بل كان نقطة انطلاق لبناء مؤسسات الدولة الحديثة، وتعزيز الوحدة الوطنية، وتنمية القدرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

في مسيرة الأردن الحديثة، يبرز الملوك الهاشميون كابراً عن كابر قادوا البلاد بحكمة ورؤية، فكانوا رموزًا للبناء والتطوير. الذين أسسوا لمرحلة جديدة من التقدم والبناء والتحديث.

في الخامس والعشرين من أيار عام 1946، أعلن الأردن استقلاله عن الانتداب البريطاني، ليبدأ مرحلة جديدة من بناء الدولة الحديثة بقيادة الملك عبدالله الأول ابن الحسين. منذ ذلك الحين، شهدت المملكة تطورًا ملحوظًا في مختلف المجالات، بدءًا من بناء المؤسسات الدستورية وصولًا إلى تعزيز التعليم والصحة والبنية التحتية.

في هذا السياق، كان للقيادة الهاشمية دور محوري في تعزيز الاستقلال وبناء الدولة. فقد قاد المغفور له الملك طلال بن عبدالله، رحمه الله، المملكة خلال فترة حاسمة، حيث عمل على تعزيز سيادة الأردن وتطوير مؤسساته، مع الحفاظ على دوره الريادي في الدفاع عن القضايا العربية. وكان الملك طلال أول من أرسى دعائم دستور عصري وحديث، حيث صدر الدستور الأردني في 8 كانون الثاني 1952، الذي كفل للشعب الأردني حقوقه، ويعتبر من أحدث الدساتير في العالم وأكثرها ديمقراطية وشورى وانفتاحًا.

في عهد الملك الحسين بن طلال، رحمه الله، شهدت المملكة تطورًا ملحوظًا في مختلف المجالات. على الصعيد العسكري، اتخذ الملك الحسين قرار تعريب قيادة الجيش في عام 1956م، وألغى المعاهدة الأردنية البريطانية في عام 1957م، مما عزز من سيادة الأردن واستقلاله. وفي المجال الاقتصادي، عمل على تطوير البنية التحتية، حيث تم إنشاء المصانع، ومصفاة البترول، وميناء العقبة، بالإضافة إلى تأسيس شبكة من الطرق لتسهيل التنقل بين مناطق المملكة. كما أولى اهتمامًا خاصًا بتطوير قطاع التعليم، فأسس العديد من الجامعات والمدارس في مختلف أنحاء المملكة، مما ساهم في رفع مستوى التعليم وتوسيع قاعدة المعرفة.

أما في عهد الملك عبدالله الثاني، فقد واصل جلالته مسيرة البناء والتطوير، حيث أطلق العديد من المبادرات التي تهدف إلى تحديث الاقتصاد، تعزيز الديمقراطية، وتحسين مستوى معيشة المواطنين. كما أولى جلالته اهتمامًا خاصًا بالشباب، من خلال تأسيس مؤسسة ولي العهد التي تهدف إلى تمكينهم وتعزيز مشاركتهم في العملية التنموية. وفي مجال الصحة، شهد القطاع تطورًا ملحوظًا، حيث تم توسيع شبكة المستشفيات والمراكز الصحية، وتحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين.

أما سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، فقد كان له دور بارز في تعزيز التواصل مع المواطنين، دعم التعليم التقني، والمشاركة الفاعلة في المحافل الدولية. كما أطلق العديد من المبادرات التي تهدف إلى تعزيز دور الشباب في المجتمع، مثل منصة "نحن" للتطوع، وجائزة ولي العهد لأفضل تطبيق خدمات حكومية.

إن مسيرة الهاشميين في الأردن هي مسيرة من البناء والتطوير، حيث سعى كل ملك إلى تعزيز سيادة الوطن، وتحقيق رفاهية المواطن، وبناء دولة حديثة قادرة على مواجهة التحديات. وتظل هذه المسيرة مصدر فخر واعتزاز لكل أردني، وتؤكد أن القيادة الحكيمة والرؤية المستقبلية هي أساس النجاح والتقدم.

ومع مرور الزمن، أصبح عيد الاستقلال مناسبة لتجديد الولاء للقيادة الهاشمية، التي كانت ولا تزال رمزًا للوحدة الوطنية والاستقرار. كما يُعد فرصة للتأكيد على أهمية العمل الجماعي والتضامن بين أبناء الوطن، لمواجهة التحديات وبناء مستقبل أفضل.

في الختام، يُعد عيد الاستقلال محطة للتأمل والاعتزاز، وتذكيرًا دائمًا بأن الحرية والسيادة ليستا مجرد كلمات، بل قيمٌ يجب الحفاظ عليها وتعزيزها، لضمان تقدم وازدهار الوطن والأجيال القادمة.

مواضيع قد تهمك