أ. د. اخليف الطراونة : تقييم رؤساء الجامعات الأردنية.. ضرورة وطنية تستند إلى التجارب الدولية

في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها التعليم العالي في الأردن، تبرز الحاجة الملحة إلى تقييم أداء رؤساء الجامعات بأسلوب منهجي وعلمي يضمن الارتقاء بالمؤسسة الأكاديمية، وتعزيز جودة التعليم والبحث وخدمة المجتمع، إضافة إلى دعم الريادة والابتكار.
لقد غدا تقييم القيادات الجامعية، وفي مقدمتها رئاسة الجامعة، ضرورة لا تقل أهمية عن تقييم البرامج الأكاديمية أو مخرجات الطلبة.
وتشير تجارب الدول الرائدة في التعليم العالي إلى أن فعالية القيادة تؤثر مباشرة على الأداء الجامعي، ولذلك حرصت تلك الدول على تطوير أنظمة لتقييم رؤساء الجامعات، تجمع بين المهنية والموضوعية. وفي هذا السياق، تستعرض هذه المقالة أبرز التجارب العربية والدولية، وصولًا إلى مقترح عملي يمكن تطبيقه في الجامعات الأردنية.
أولًا: لماذا نقيم رؤساء الجامعات؟
يشكّل تقييم رؤساء الجامعات أداة فاعلة لضمان:
• جودة الحوكمة الأكاديمية.
• وضوح الرؤية والتخطيط الاستراتيجي.
• تعزيز الشفافية والمساءلة.
• رفع كفاءة الأداء المالي والإداري.
• تحسين العلاقة مع الطلبة والمجتمع.
• تطوير البرامج الأكاديمية لتواكب الذكاء الاصطناعي ومتطلبات العصر.
ثانيًا: ما الذي نستفيده من التجارب العربية؟
في السعودية، طبقت وزارة التعليم نموذجًا سنويًا لتقييم رؤساء الجامعات يستند إلى مؤشرات أداء تتعلق بالإنجازات الأكاديمية، والاستدامة المالية، والابتكار، ومواءمة مخرجات التعليم مع سوق العمل.
في الإمارات، طُبّق تقييم متعدد المصادر يشمل الجهات الرقابية ومجالس الأمناء، ويرتبط بتقارير الأداء المؤسسي.
الدروس المستفادة:
• ضرورة ربط التقييم بالخطط الوطنية.
• إشراك مجلس الأمناء والهيئة التدريسية.
• اعتماد مؤشرات قياس واضحة وقابلة للتطبيق.
ثالثًا: تجارب دولية رائدة
في بريطانيا، يُقيَّم رئيس الجامعة من قبل مجلس الجامعة على أسس تعاقدية، ويشمل التقييم الأداء المالي، البحث العلمي، الجودة التعليمية، والتواصل المجتمعي.
في فنلندا، يُركّز التقييم على القيادة التشاركية وتحفيز فرق العمل، ويُعتمد فيه تقييم نوعي يشمل آراء الطلبة والأكاديميين.
في الولايات المتحدة، يتضمن التقييم أدوات كمية ونوعية مثل الاستبانات السرية، وتقارير الأداء، والمقابلات مع أصحاب العلاقة.
السمات المشتركة لهذه النماذج:
• استقلالية التقييم عن السلطة التنفيذية.
• دور فاعل لمجالس الأمناء.
• اعتماد مؤشرات أداء رئيسية (KPIs) ومراجعات دورية.
رابعًا: نحو نموذج أردني فعّال
يمكن بناء نموذج وطني يستند إلى أفضل الممارسات، ويراعي خصوصية البيئة الأردنية، وذلك من خلال العناصر التالية:
1. مصادر التقييم:
• مجلس الأمناء.
• أعضاء الهيئة التدريسية (من خلال استبانات سرية).
• الطلبة (عبر أدوات إلكترونية).
• جهة رقابية مستقلة (تقارير ومقابلات).
2. مؤشرات الأداء المقترحة:
في مجال القيادة:
• امتلاك رؤية واضحة ومعلنة.
• القدرة على اتخاذ القرار وحل الأزمات.
• تطوير الخطط الاستراتيجية وتنفيذها.
في مجال البحث العلمي:
• عدد الأبحاث المنشورة والمشاريع المدعومة.
• الشراكات البحثية مع مؤسسات عالمية مرموقة.
• دعم البنية التحتية للبحث.
• إنشاء حاضنات أعمال وبنوك أفكار.
في مجال الحوكمة والشفافية:
• الالتزام بقواعد النزاهة والحوكمة.
• مشاركة المجالس الأكاديمية في صنع القرار.
• وضوح الإجراءات الإدارية وسهولتها.
في خدمة المجتمع والطلبة:
• تنفيذ مبادرات مجتمعية فاعلة.
• مؤشرات رضا الطلبة وأعضاء الهيئة التدريسية.
• تعزيز فرص التوظيف والتدريب العملي.
في مجال الاستدامة المالية:
• تنمية الموارد الذاتية.
• كفاءة الإنفاق المالي.
• ضبط العجز وتوفير التمويل للبرامج النوعية.
• تحفيز صناديق الاستثمار في التعليم العالي.
3. دورية التقييم:
• تقييم سنوي شامل.
• مراجعة مرحلية نصف سنوية لتغذية راجعة مستمرة.
خامسًا: تحديات متوقعة
• مقاومة بعض القيادات لفكرة التقييم الخارجي.
• ضعف البنية التقنية لتحليل البيانات.
• غياب ثقافة التقييم الهادف إلى التحسين لا المحاسبة.
ويتطلب نجاح النموذج الأردني توفير بيئة تشريعية وتنظيمية داعمة، تعزز الاستقلالية الأكاديمية والإجرائية، وترسخ الحريات الجامعية، مع تمكين المجالس من أداء دورها الرقابي بكفاءة.
في الختام إن بناء نظام لتقييم رؤساء الجامعات الأردنية ليس مجرد إجراء إداري، بل خطوة استراتيجية لتحفيز التميز، ومأسسة الشفافية، وتعزيز القيادة الأكاديمية الوطنية. وإذا ما أردنا لجامعاتنا أن ترتقي إلى مصاف الجامعات الإقليمية والعالمية، فإن نقطة الانطلاق تبدأ من قياس أداء من يقودها، استنادًا إلى معايير علمية عادلة، مستنيرة بأفضل التجارب الدولية .
ــ الراي