محمد يونس العبادي : البيعة الذهبية ولحظة الاستقلال

في الخامس والعشرين من عام ألف وتسعمائة وستة وأربعين؛ أعلن الاستقلال الكامل والناجز للبلاد الأردنية، في لحظة فارقة جاءت بعد نحو ربع قرن من التأسيس، وفي وقت كانت فيه دول الجوار تسعى لتكريس وجودها، وكان العالم يتغير مغادرا مرحلة الحرب العالمية الثانية.
كانت اللحظة أردنية بامتياز، ووضع الأردن ذاته الجديدة المتمتعة بحرية قراره وسيادته، كعنوان كبير، وظل مستمسكا بما تأسس عليه من عناوين عروبية.
يومها استهلّ الاحتفال بالقرار بدعوة المجلس التشريعي، وتقرر أن ترفع الأعلام على المؤسسات الرسمية، وتعطيل الدوائر الرسمية والمدارس ثلاثة أيام مدة فعاليات الاحتفال بهذه المناسبة التاريخية.
وتضمن اليوم الأول، مراسم هامة، بينها مراسم قاعة العرش، والتي بدأت أعمالها عقب الانتهاء من إعلان قرار المجلس على الجمهور، حيث "تتوجه هيئة الوزارة وكامل أعضاء المجلس التشريعي إلى القصر الملكي، ويحملون وثيقة البيعة، في سجلها الذهبي لتقدم إلى جلالة الملك حسب مراسم".
وجرت هذه المراسم، باستلام الملك المؤسس، لوثيقة البيعة، إذ تذكر الوثائق أنه "في الساعة العاشرة والدقيقة الخامسة والأربعين، يتشرف جلالة الملك من داخل القصر (قاعة العرش) يحف به أصحاب السمو الأمراء وكبار رجال القصر فيقف الحاضرون في الحال تعزف الموسيقى العسكرية السلام الملكي، ثم يهتف فخامة رئيس المجلس التشريعي (يعيش جلالة الملك) ثلاثاً".
ويتبع هذه المراسم، بأنه "يجلس جلالة الملك على الأريكة الملكية، ويقف فخامة رئيس المجلس التشريعي حاملاً "سجل البيعة الذهبي" متوجهاً بعد التحية الرسمية إلى حضرة صاحب الجلالة الملك، بكلمة المجلس، مهنئاً ومعلناً غبطة البلاد الأردنية والأمة العربية بهذا اليوم التاريخي.
كما تضمنت المراسم، استلام الملك المؤسس، وثيقة البيعة الذهبية، "ثم يتناوله من يده الكريمة سماحة رئيس الديوان الملكي".
لقد ربط الملك المؤسس، عبر هذا الإعلان بذات تاريخ الاستقلال الأول، الماضي بالحاضر، وتطلع بعد هذا الاستقلال إلى إكمال رسالته برفع شعار مشروع سوريا الكبرى، والهلال الخصيب، وكانت وحدة الضفتين مقدمة لمشروعه الواسع. لذا، فقد تطلعت إليه المنطقة العربية وشعوبها كرمزٍ للقيادة العربية القادرة على حمل عبء الوحدة، وتحقيق آمال الوحدة، وتحرير الإنسان العربي.
وفي ذلك الزمان، كانت المنطقة العربية تعاني من غياب القيادات القومية القوية، والفاعلة، والتي تملك مشروعاً، إذ طغت سمة الزعامات المحلية وشيوخ العشائر، وكان الملك المؤسس يعبر عن نموذجٍ مختلف صاحب مشروع كبير، وهذا ما يمكن قراءته في برقيات التهنئة بالاستقلال من مختلف الأقطار العربية.
أوجد الأردن حضوره كدولة عظيمة في إقليمه لها وزنها ودورها ورسالتها، وكانت مراسم الاحتفال تعبيرا عن هذا السعي، الذي استمرّت أدواره على مدار عقود وحتى اليوم. ــ الراي