أطفال غزيون مرضى بالسرطان: شعرنا بالراحة بوصولنا الأردن

جسر الملك الحسين - نيفين عبد الهادي
في يد «العكاز» والأخرى تحمل طفلها المصاب بسرطان الكلى، وبجانبها طفل لم يتجاوز العاشرة فقد قدمه، ويحمله عكازه وهو يعاني من سرطان المعدة، وطفلة تسير حافية القدمين لوجع ألمّ بقدميها، تسير بهدوء، فقد وجدت أرضا صلبة تحميها وتخفف وجعها، والطفلة ابنة السبعة أشهر المصابة بسرطان العيون تحملها والدتها وهي لا تصدق أن طفلتها سوف تخف آلامها، ولن تسمع صراخها ألما بعد اليوم.
هم أطفال غزة القادمون إلى الأردن، وهو ما رددوه عندما وصلوا أرض الأمن والأمان،» وصلنا الأردن»، وصلوا بلد النشامى، في ملامحهم خوف غاب في سماعهم لصقور سلاح الجو وهم يرددون على مسامعهم «ما تخافوا إحنا معكم».
ستة أطفال من غزة، وصلوا أمس للمملكة الأردنية الهاشمية، ضمن مبادرة الممر الطبي التي وجّه جلالة الملك عبدالله الثاني بإطلاقها، غادروا غزة الساعة الخامسة فجرا من صباح يوم أمس ليصلوا الأردن مساء، بيوم شاق، يحملون وجعا، وضعوه على أعتاب بلد النشامى، وغادرت ملامحهم الأوجاع، ليشعروا بسلام يبدأ من داخلهم لمحيطهم لم يشعروا به منذ قرابة العامين، وصلوا شاكرين الأردن بقيادة جلالة الملك، معربين عن سعادتهم وشوقهم للحياة الطبيعية التي فقدوها بالمطلق.
بالأمس، نفذت القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، عملية إجلاء طبي لستة أطفال فلسطينيين من قطاع غزة مصابين بالسرطان برفقة 19 شخصاً من ذويهم، ضمن الدفعة الثالثة من مبادرة الممر الطبي الأردني.
وتمت عملية الإجلاء الطبي عبر جسر الملك الحسين بالتعاون مع وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية، وجرى نقلهم عبر طائرات تابعة لسلاح الجو الملكي إلى مطار ماركا، وتأمينهم للوصول إلى مركز الحسين للسرطان لتلقي العلاج.
وجرت عملية الإجلاء الطبي وفق أعلى المعايير، من خلال طواقم طبية متخصصة رافقت المرضى.
ووصل عدد المرضى الذين تم إجلاؤهم إلى المملكة براً وجواً إلى 39 طفلاً و75 شخصاً من ذويهم، منذ إطلاق المبادرة، عاد منهم 17 طفلاً وذووهم إلى غزة بعد استكمال علاجهم في المستشفيات الأردنية.
يشار إلى أن عمليات الإجلاء التي ينفذها الأردن لدعم الأشقاء الفلسطينيين في قطاع غزة، انطلقت بتوجيهات ملكية مطلع آذار الماضي، ومن المتوقع أن يتم إجلاء ألفي طفل مريض من غزة للعلاج في المستشفيات الأردنية.
جريدة «الدستور» التي تشرفت بمرافقة نشامى سلاح الجو والخدمات الطبية الملكية وكوادر جسر الملك الحسين ووزارة الصحة، نشامى الأردن بمن فيهم من العاملين في «كافتيريا الجسر» الذين أعدّوا للأطفال مجموعة من الهدايا تشمل مواد غذائية وألعابا للأطفال، ليحتضنوا بسواعدهم الأردنية أطفالا وأسرهم يعانون أقسى ما يمكن أن تمر به البشرية من مرض، وقهر وجوع وعطش وانتهاكات، وكوارث نتيجة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وفي حديثهم لـ»الدستور» شكر الأطفال وذووهم الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، مؤكدين أن ما يقدمه الأردن لهم عظيم، بل أكثر، مقدرين الجهود التي تبذل من أجل أهم ما يحلمون به، تخفيف الوجع، وغياب الألم، وفي ذلك حلم لأطفال لم يجدوا العلاج ولا العناية، ولا حتى الطعام، مؤكدين أن ما يحدث لهم كما الحلم يحتاجون المزيد من الوقت لاستيعابه، لكنهم يشمون هواء نقيا، ويعيشون لحظات يصعب وصف روعتها ودفئها، شاكرين سواعد نشامى الأردن ممن ساعدوهم ليكونوا في الأردن ويقبلوا على رحلة علاج، حلموا بها طويلا، فحققها الأردن.
البداية كانت مع محمد زرندح، المصاب بسرطان الكلى، فور وصوله تم نقله إلى «الأمبلنس» سيارة الإسعاف لتلقي الرعاية الصحية اللازمة كون وضعه الصحي سيئا، وما يزيد من وجع القلب على محمد والدته رهام زرندح التي تحمل في يدها عكازا حيث بترت قدمها في الحرب، وفي يدها الأخرى تحمل محمد المريض، لتؤكد لنا شكرها الكبير لجلالة الملك عبدالله الثاني الذي لم يترك أهل غزة للحظة منذ بداية الحرب، مؤكدة أن ما قدمه الأردن لهم كانوا يظنونه بعيدا أو صعب المنال، لكنهم يعيشونه اليوم حقيقة على أرض الواقع.
وأضافت رهام أنها مهما تحدثت بكلمات شكر وعرفان لن تفي الأردن حقه، وعي تقول شكرا بحجم كل هذا الحب الذي نراه من حولنا، وشكرا وقد تحققت أحلامنا وقد وجدنا من يعالج آلام أطفالنا، ولو بقيت سنين طويلة أشكر الأردن بقيادة جلالة الملك لن أفيه حقه.
أما محمد فابتسم لنا وقد حمل ملامح رجل مسنّ نتيجة لمشقة الطريق، وللآلام التي يعاني منها، وقال لنا «أنا مبسوط جدا لأني في الأردن، وبمجرد دخولي هون شعرت براحة، والله حاسس الوجع خف». ولم يخفِ أنه يشعر بالجوع، وقال «بدي أطلب كتير أشياء بس أوصل المستشفى».
محمد ابن 4 سنوات ترى في ملامحه تفاصيل رجل أتعبته الدنيا وأوجعه الزمن، لكنه اليوم يشعر براحة ويصف سعادته بعدم سماعه لصوت الصواريخ، ويشكر الأردن على كرمه الكبير.
وتقف بعيدا عن زحام الإعلام سيدة تحمل على يدها طفلة صغيرة، اقتربنا منها فقالت لنا هذه «فيّ»، لتتحدث لنا أم فيّ محمود ياسين السيدة ريم وتقول «ابنتي عمرها سبعة أشهر تعاني من كتلة سرطانية في عينيها، وهو نوع نادر، ويحتاج علاجات خاصة، ليحقق لنا الأردن العظيم بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني حلمنا بعلاج ابنتنا، وحقيقة لم أعتقد يوما أن ابنتي سوف تكف عن البكاء ألما، فهي اليوم ستجد العلاج المناسب، فشكرا للأردن الذي قدّم لنا الكثير، وهو بذلك يكمل ما استفدنا منه من المساعدات الأردنية التي تصل غزة، وقد وصلنا منها الكثير واستفدنا منها، فشكرا للأردن بحجم عظيم ما يقوم به من دور لم يقم به أحد».
ونظرا لظروف الأطفال الصحية، تحدثنا لعدد منهم بسرعة، ليعبروا جميعهم هم وذووهم عن سعادتهم بأنهم في الأردن، هذا البلد العظيم، شاكرين الأردن بقيادة جلالة الملك على كل ما يقدمه للغزيين منذ أكثر من عام سواء كان من مساعدات إنسانية وإغاثية، ومن وجود المستشفيات الميدانية، والمخبز الآلي، وزراعة الأطراف، ويقولون: اليوم ها هو الأردن يعالج أطفالنا، ويخفف من آلام مرضى السرطان منا، فشكرا لبلد قدّم ويقدّم وسيبقى سندا لأهل غزة، ولهذه المواقف تقدير كبير عند كل غزّي.
ــ الدستور