د. طلال طلب الشرفات يكتب : هيئة الخدمة والإدارة العامّة؛ حوكمة أم ردّة !

لستُ خبيراً في الموارد البشرية والإصلاح الإداري، ولكني أقرأ بعمق غياب مفاهيم الحوكمة ودواعي الاجتهاد الفردي الذي يعكس عمق الأزمة الوطنيّة التي تعكس نوازع المسؤولين، ونواياهم، وفرديتهم التي جعلت من المعارضة نهجاً للغاضبين، والموالاة للدولة والمؤسسات حاجباً عن النقد الهادف البنّاء مما أوصل البلاد إلى حالة من اليأس النخبوي، والإحباط الشعبي المأسور لحفنة من الطارئين، والعابثين، والمجرّبين بقدر الناس
أولويات الأمن الوطني تتقدم على نوايا الإصلاح المتسرعة المُرافقة لتعديلات على قواعد الخدمة المدنية التي تقوّض حوكمة الإجراءات والسياسات بالرغم من ان الأسباب الموجبة تتحدث عن الحوكمة كسبب للتعديل.
لقد أضحت مضامين السلم الأهلي والوفاق الوطني نهباً لسياسات خاطئة، وقراءات مٌتسرعة لا تعكس الواقع المُعاش، وتصنع هجيناً مُربكاً ومرتبكاً في مخرجات الامتحان للوظيفة العامة بين المخزون والإعلان لا سيما بعد أن تم رفع نسبة النجاح في امتحان الكفاءة الى 60% فاختلت المعادلة، وتاهت بوصلة العدالة الإجتماعية وحقوق الأطراف لمصلحة المدينة وقوى الأمر الواقع التي ارهقت البلاد والعباد.
اين الحوكمة في تشكيل مجلس الهيئة وفقاً للتعديلات، والقرار مرهون برئيس فرد يأمر فيُطاع من بعض الموظفين، واين الرقابة على قرارات ذاك الرئيس! وأين البديل الموضوعي لمجلس الخدمة المدنيّة المُنتهي الذي كان يرأسه رئيس الوزراء لأهميته، وتعلقه بالأمن الإجتماعي المرتبط بالوظيفة العامة! وهل ثمة علاقة صحيّة، وناجزة، ومدروسة بين الهيئة ومعهد الإدارة العامّة وصندوق الملك عبدالله للتنميّة والمؤسسات الأخرى.
الأمن الوطني ومصالح الدولة العليا يتقدمان على كل الإجتهادات والأولويات الأخرى؛ ذلك ان السياسات المتسرعة، والانتقائية هي التي دفعت بمعاقل الموالاة صوب المُعارضة في الفترة الأخيرة، والسبب يتمثّل في إقصاء الأطراف من مضامين العدالة في معادلة التنمية والتمثيل السياسي العادل، وسندفع ثمنهُ غالياً في قادم الأيام ان لم يستفق فينا الحرص الوطني، ويذهب فينا إلى مساحات حسن التقدير. ولعل معادلة الاجتهاد المتسرع غير المقترن بالقراءات الأمنية والسياسية هي التي دفعت بنا إلى هذا الواقع المر.
قبل ربع قرن نجح الأمير الهاشمي سمو الأمير غازي بن محمد في إنصاف الأطراف في الوظيفة العامة والخدمة المدنية بعمل دؤؤوب ونوايا صادقة، وبتعاون محمود من رئيس ديوان الخدمة المدنيّة آنذاك الدكتور بسام العموش، ولعل معايير الحرص الوطني التي كانت ماثلة "وقتذاك" قد طفقت تتقلص شيئاً فشيئاً بقصد أو بدونه في هذا الصدد، وأمست الشللية المقيتة احدى التحديات الجسام التي تواجه الإصلاح، والسبب في ظنّي يكمن في غياب المعايير الوطنية لصالح المعايير الشخصيّة في الإدارة العامة.
رئيس الوزراء الذي نثق بنواياه، وأهدافه، ومراميه، وحسّه الوطني الصادق، وتمثُّله الأمين لمضامين كتاب التكليف السامي مُطالب أنا يعيد قراءة استحقاقات الوظيفة العامة العاديّة منها والعليا بما يعكس قواعد العدالة النسبية، والتداعيات الأمنيّة والاجتماعية والسياسية على الأنظمة المتعلقة بالموارد البشرية والوظيفة العامّة. وأجزم أن كلُّ من عمل في بيت الأردنيين ومدرسة الهاشميين يملك القدرة النفسية على مراجعة القرارات والأنظمة والسياسات دون حرج.